والحمد لله الذي كان من لطيف صُنعِهِ وإنفاذ حكمته أن لم يحمل علينا في ذلك إصراً.
وجعل سفيره ـ فيما دعا إليه ـ خيرته من خلقه ، محمداً صلىاللهعليهوآله ، وبين منه ـ في أيام الدعوة ، وقبل حدوث النبوة وإظهار الرسالة ـ (۱) عناصر طيبة وأعراقاً طاهرة ، وشيما مرضية .
وجَعَله المقتدى به في مكارم الأخلاق ، والمشار إليه بجانبة الأعراض التي تمنع التقديم والتبجيل (٢) ، وتحجز التقديس (٣) والتفضيل ، حتى دعانا إلى الله جل جلاله ـ بكلام مفهوم وكتاب عزيز ( لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) .
فجعل الداعي مُنَزَّهَا مِن دَنِيَّةٍ تَحْجُزه عن قول معروف ، ومصوناً ـ بالعصمة ـ عَنْ أَنْ يَنْهى عن خُلُقٍ ويأتي بمثله ، والرسالة مباينة أن يأتيها الباطل من بين يَدَيْها أو مِن خَلْفِها.
ومَنَّ على خلقه أنْ جَعَلَ الداعي معهوداً بالمجاورة ، والدعوة مشهورة بالمحاورة ، وأوكد في ذلك على عباده الحُجَّةَ أَنْ دَعا إلى حَقَّ لا يجمع مختَلِفين ، ولا يَضُمُّ إِلَّا مُتَّفِقَين .
وجعل عباده ـ على اختلاف همهم واتساع خلايقهم (٤) ـ بمعزل عن
__________________
(١) كذا في (أ) : جمع ، الشيمة ، وهي الطبيعة والخلق والعادة ، وكان في (ب) : « سيما » وهي العلامة ، فلاحظ .
(٢) كذا الظاهر ، وكان في النسختين ( التاخير ، ولا معنى له .
(٣) كذا الظاهر ، وكان في النسختين : ( وتحجزت بالتقديس ) .
(٤) كذا في النسختين ، ولعل العبارة : على اختلاف هممهم واتساع خلافهم .