في الملك وتداعوا للحرب فانتصرت جرهم وهزمت قطوراء ، وكثرت ذرية إسماعيل وانتشروا في البلاد لا يناوئون قوماً إلا ظهروا عليهم في دينهم ! ثم إن جرهماً بغت في مكة ، فظلموا من دخلها ، وأكلوا مال الكعبة ، وكانت مكة تسمى ( النساسة ) لا تقر ظلماً ولا بغياً ، ولا يبغي فيها أحد على أحد إلا أخرجته ، فكان بنو بكر بن عبد مناة ، وخزاعة حلولاً حول مكة ، فآذنوهم بالقتال ، فاقتتلوا ، وكان الحارث بن عمرو بن مضاض يرتجز ويقول :
اللهم إن جرهماً عبادك |
|
الناس طرف وهم تلادك |
فغلبتهم خزاعة على مكة ، ونفتهم عنها ، ففي ذلك يقول عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض الأصغر :
كأن لم يكن بين الحَجون إلى الصفا |
|
أنيسٌ ولم يسمر بمكة سامر |
ولم يتربع واسطاً فجنوبه |
|
إلى السر من وادي الأراكة حاضر |
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا |
|
صروف الليالي والجدود العواثر |
وأبدَلَنا ربيّ بها دار غربةٍ |
|
بها الجوعُ بادٍ والعدو المحاصرُ |
وكنّا وُلاةَ البيتِ من بعد نابتٍ |
|
نطوف بباب البيت والخيرُ ظاهرُ |
فأخرجنا منها المليكُ بقدرةٍ |
|
كذلك ما بالناس تجري المقادرُ |
فصرنا أحاديثاً وكنا بغبطةٍ |
|
كذلك عضّتنا السنين الغوابر |
وبدّلنا كعب بها دارَ غربةٍ |
|
بها الذئب يعوي والعدو المكاثر |
فسحّتْ دموع العين تجري لبلدةٍ |
|
بها حرم أمن وفيها المشاعر |
وظلت ولاية البيت لخزاعة ثلاثمائة سنة ، حتى كان آخرهم حُليلُ بن حبشة .
أما قريش التي هي صريح ولد إسماعيل ، فلم يكن لها من الأمر شيء ، وكانوا متفرقين حول الحرم بيوتات ومزقاً غير مجتمعين ولا متحدين إلى أن أدرك قصي بن كلاب بن مرة وتزوج حبىّ بنت حليل الخزاعية ، فولدت له بنين أربعة ، وكثر ولده وعظم شرفه .
ثم هلك حليل وأوصى إلى إبنه المحترش أن
يكون خازناً للبيت وأشرك