العاص بعده في خيلٍ ومعه لواءٌ ثانٍ ، فتقدم حتى خالط صفوف العراق ، فقال علي ( ع ) لابنه محمد : إمش نحو هذا اللواء رويداً ، حتى إذا أشرعت الرماح في صدورهم فأمسك يدك حتى يأتيك أمري ، ففعل ، وقد كان أعد علي ( ع ) مثلهم مع الأشتر ، فلما أشرع محمد الرماح في صدور القوم ، أمر علي ( ع ) الأشتر أن يحمل ، فحمل فأزالهم عن مواقفهم ، وأصاب منهم رجالاً ، واقتتل الناس قتالاً شديداً فما صلّىٰ من أراد الصلاة إلا إيماءً .
ثم إن علياً ( ع ) أرسل إلى جميع العسكر أن إحملوا ، فحمل الناس كلهم على راياتهم كل منهم يحمل على من بأزائه ، فتجالدوا بالسيوف وعمد الحديد لا يسمع إلا صوت ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين ، ومرّت الصلاة كلها فلم يصل أحد إلا تكبيراً عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا ورَقَّ الناس .
واختلط أمر الناس تلك الليلة ، وزال أهل الرايات عن مراكزهم ، وتفرق أصحاب علي ( ع ) ، فأتى ربيعة ليلاً فكان فيهم ، وتعاظم الأمر جداً ، وأقبل عدي بن حاتم يطلب علياً في موضعه الذي تركه فيه فلم يجده ، فطاف يطلبه فأصابه بين رماح ربيعة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أما إذا كنتَ حيّاً فالأمر أمم ، ما مشيت إليك إلا على قتيل ، وما أبقت هذه الوقعة لهم عميدا ، فقاتل حتى يفتح اللهُ عليك ، فان في الناس بقيةٌ بعد .
وأقبل الأشعث يلهث جزعاً ، فلما رأى علياً ( ع ) هلّل وكبّر وقال : يا أمير المؤمنين ، خيل كخيل ، ورجال كرجال ، ولنا الفضل عليهم إلى ساعتنا هذه ، فعُد إلى مكانك الذي كنت فيه فان الناس إنما يظنونك حيث تركوك .
وأرسل سعيد بن قيس الهمداني إلى علي ( ع ) ، إنا مشتغلون بأمرنا مع القوم وفينا فضل . فإن أردت أن نمدّ أحداً أمددناه ، فأقبل علي ( ع ) على ربيعة فقال : أنتم درعي ورمحي (١) . فقال عدي بن حاتم : يا أمير
__________________
(١) قال : فربيعة تفخر بهذا الكلام إلى اليوم .