لهم رفقاؤٌ كثر من المؤمنين ، أمثال بلال بن رباح ، وأبي فكيهة ، وخبّاب بن الأرت كلٌّ يواجه المحنة من سيده ، حتى استشهد من إستشهد ، ومنّ الله على من بقي منهم بالنصر والظفر ، فرفعهم من مصاف الدهماء والضعفاء ، إلى سدّة القادة والأمراء ، حيث أصبح عمارٌ بعد ذلك أميراً على الكوفة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .
وقرأت فيه بعد ذلك « حليف مخزوم » (١) مرسوماً بالألوان من نوع آخر ، أبدعته ريشة فنان ماهر ، ومفكر مبدع ، حرص كل الحرص على تحويل فكرته إلى لوحةٍ ناطقةٍ معبّرة ، تلتقي فيها براعة الفن وجماله بجلال الفكر وهيبته ، فكنت أراه وكأنه ماثل نصب عيني بقامته الفارعة ، وساعديه المفتولين بطلاً من أبطال بدر والخندق وصفين ، كما كنت أرى فيه المهابة والوقار والصبر وطول الآناة وهو يحاور ويخاصم بالحكمة وبالموعظة الحسنة ، داعياً إلى سبيل ربه من شذّ ونأى عنه .
أجل ، قرأته أكثر من مرة ، لذلك حين قررت أن أكتبه وقفت طويلاً وتأملت ملياً ، متسائلاً مع نفسي ، ماذا سأقول ، وماذا سأكتب ؟؟ بعد كلّ ما قيل وما كُتب عن هذه الشخصية الفذّة .
ولئن فات غيري الإِلمام والإِحاطة بظروف « حياة عمار » وملابساتها ، فلن يفوتني ذلك ، فحياة عمار ارتبطت بتأريخ حقبةٍ طويلةٍ من عمر الإِسلام ، وإن شئت فقل غير مبالغ : إن حياة عمّار شكلت تأريخاً لجزءٍ من تلك الحقبة كان لا مناص لنا من تتبعها والخوض فيها لنصل إلى نتيجةٍ واضحةٍ مرضية .
ففي حياة عمار تساؤلات عدة تطرح نفسها وتتطلب منا الإِجابة !
لماذا اختار علياً بعد الرسول ( ص ) . . . ؟ ولماذا نقض على عثمان وعارضه . . ؟ ولماذا كانت حروب الردة . . . والجمل . . . وصفين . . . والتي كانت مواقفه فيها معلنة مشهودة .
__________________
(١) حليف مخزوم للأديب اللبناني الكبير صدر الدين شرف الدين .