للمؤلفة قلوبهم ما لم يعطي أحد مثله ، أعطى كل واحد منهم مائة بعير وكان يقول : والله لو كان لي عدد شجر تهامة نِعم لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً . . (١) .
وبعد ، فإن عمار بن ياسر هو واحد من أصحاب محمد الذين نشأوا على يديه ونهلوا من معين تعاليمه فغرس في نفوسهم بذور الفضائل ووهبهم من قدسية العطاء ما يجعلهم أهلاً لكل صفات النبل والخصال الحميدة لذلك كانت الشجاعة سجية من سجاياه ، والكرم تابع لها فحيث تكون الشجاعة يكون الكرم .
ويكفي في شجاعته أنه اشترك في حروب رسول الله ( ص ) وعرض نفسه للمهالك ولم يعرف عنه أنه أدبر في حرب من تلك الحروب ، بل العكس هو الصحيح . ففي حروب الردة كان يشجع الناس ويحرضهم على القتال ، قال عبد الله بن عمر : رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح : يا معشر المسلمين ، أمن الجنة تفرون !؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إليّ . . وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال (٢) .
وفي صفين ـ كما ستقرأ ـ كان عمار يمثل قطباً من أقطاب تلك الحرب الرهيبة ، فكان بالإضافة إلى حملاته يشجع الأبطال ويحثهم على الجد في الحرب وعلى التقدم باللواء محاولاً كسب المعركة في أقرب وقت .
قال نصر بن مزاحم واصفاً وجهاً من وجوه تلك المعركة وموقفاً من مواقف عمار فيها : « وخرجت الخيول إلى القتال واصطفت بعضها لبعض ، وتزاحف الناس وعلى عمار درع بيضاء وهو يقول : أيها الناس ، الرواح إلى الجنة ، فقاتل القوم قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى حتى إن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله .
__________________
(١) الكامل ٢ / ٢٦٩ ـ ٢٧٠ .
(٢) الطبقات الكبرى ، ومعظم الكتب التاريخ وفي الإِستيعاب على هامش الإِصابة ٢ / ٤٧٧ .