ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص فقال : والله إنها لراية قد قاتلتها ثلاث مرات ، وما هذه بأرشدهن . ثم قال :
نحن ضربناكم على تأويله |
|
كما ضربناكم على تنزيله |
ضرباً يزيل الهام عن مقيله |
|
ويذهل الخليل عن خليله |
|
أو يرجع الحق إلى سبيله |
|
قال الأحنف بن قيس : والله إني إلى جانب عمار بن ياسر بيني وبينه رجل فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة ( المرقال ) فقال له عمار : احمل فداك أبي وأمي ! فقال له هاشم : يرحمك الله يا أبا اليقظان إنك رجل تأخذك خفة في الحرب . . » (١) ولعل في هذا قدر كافٍ في إطلاعنا على مدى شجاعته وصبره على القتال سيما إذا عرفنا أن عمره في ذلك الوقت كان يناهز التسعين عاماً .
أما الحديث عن سخائه فلا يقل أهمية عن الحديث عن شجاعته ، فسخاؤه كان مشفوعاً بأريحية متناهية وذكاءٍ نادر كما يلوح ذلك من خلال ما حدثنا به جابر بن عبد الله الأنصاري .
قال : صلى بنا رسول الله ( ص ) صلاة العصر ، فلما تنفل جلس في قبلته والناس حوله فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب إليه وعليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وكبراً ، فأقبل عليه رسول الله يستحثه الخبر . فقال الشيخ :
يا رسول الله ، أنا جائع الكبد فأطعمني ، وعاري الجسد فاكسني ، وفقير فأرثني .
فقال رسول الله ( ص ) : ما أجد لك شيئاً ، ولكن الدال على الخير كفاعله ، إنطلق إلى إبنتي فاطمة . . ثم قال : يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة . فانطلق الأعرابي مع بلال فلما وقف على باب فاطمة ، نادى بأعلى صوته : السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة ، ومهبط جبرئيل
__________________
(١) صفين ٢٢٩ ـ ٢٤٠ ـ ٢٤١ .