مجعولة من قبل المشرع الحكيم ترتقي به لأعلى درجات السلطة في العالم حيث أنه أولى بهم من أنفسهم (١) وهذان الأمران من الثوابت التي لا يختلف فيها أحد من المسلمين إلا أن يحيد عن منطوق القرآن الكريم وعن مفاهيمه لذلك صنف المشككون بهذا الأمر في خانة المنافقين ، ومن ثَمَّ في صف الملحدين والمشركين .
أما تعامل المسلمين مع خلفائهم فإنه يختلف عن ذلك غاية الإختلاف من حيث حرية إبداء الرأي ، بل رفع الصوت عالياً حينما تقتضي الظروف ذلك ، فالخليفة يخضع للنقد من قبل الصحابة فهم بين راضٍ ورافض وأدل دليل على ذلك قول عبد الرحمن بن عوف لأبي بكر : « وإنما الناس رجلان رجل رضي بما صنعت فرأيه كرأيك ورجل كره ما صنعت فأشار عليك برأيه » (٢) .
بل هو نفسه يدعو إلى ذلك وينتقد ذاته بذاته ، وقد يعترف بالنقص أحياناً ، وذلك كقول أبي بكر في مستهل خطبته التي خطبها بعد استخلافه : أما بعدُ أيها الناس ، فإني قد وُلّيت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني (٣) وقوله : واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني أحيانا . فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني (٤) .
وعلى هذا الأساس فلا نفاجأ بعد بما صدر من بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة من الإعتراض سواء على الكيفية التي تم بها اختيار الخليفة ، أو على الخليفة نفسه ، وإليك الصورة كما يرسمها لنا المؤرخون :
__________________
= فَانتَهُوا ) الحشر ـ ٧ . وقوله تعالى : ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ) النجم ـ ٣ . وقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) الأحزاب ـ ٣٦ .
(١) قوله تعالى : ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) .
(٢) الإمامة والسياسة ١ / ٢٤ .
(٣) الطبري ٣ / ٢١٠ .
(٤) الإمامة والسياسة ١ / ٢٢ .