النبي ( ص ) مسجّىً على فراشه في بيته وعلي ( ع ) منهمك في تجهيزه إذ سُمِع صوتٌ دون أن يُرى شخص ، يقول : السلام ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً . كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زُحزِح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور لتُبلونّ في أموالكم وأنفسكم ولتسمعنّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً ، وأن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور . إن في الله خلفاً من كل هالك ، وعزاءً من كل مصيبة ، عظم الله أجوركم والسلام ورحمة الله (١) وكان المتكلم جبرائيل ( ع ) . وصار المسلمون يدخلون عليه أرسالاً يودعونه ، حتى إذا فرغ الرجال أدخل النساء ، حتى إذا فرغ النساء أدخل الصبيان ، ثم أدخل العبيد (٢) يودعون المنقذ العظيم وهم بين ذاكرٍ لله ، وبين متمتمٍ بأسمى آيات الإجلال والإعظام ، وبين مرسلٍ دموعه الحرى بهدوءٍ وهم يصلون عليه ويسلمون تسليماً كما أوصاهم ( ص ) .
في هذه اللحظات الرهيبة كان الأنصار يجتمعون في سقيفة بني ساعدة وقد أجلسوا سعد بن عبادة الخزرجي وعصبوه بعصابة وثنوا له وسادة وهم يريدون أن يبايعوه .
مما أثار حفيظة الأوس وأيقض الفتنة بينهم وبين الخزرج ، تلك الفتنة التي أطفأ الإسلام نائرتها ، كما أثار حفيظة المهاجرين فحين علم أبو بكر وعمر باجتماعهم أتوا مسرعين فنحوا الناس عن سعد ، وقالوا : « يا معاشر الأنصار ! منا رسول الله ، فنحن أحق بمقامه » (٣) .
وقال سعد بن عبادة مخاطباً قومه : فشدوا يديكم بهذا الأمر فإنكم أحق
__________________
(١) اليعقوبي ٢ / ١١٤ وقيل لجعفر بن محمد الصادق ( ع ) من كنتم ترونه ؟ فقال : جبريل !
(٢) الطبري ٣ / ٢١٣ .
(٣) اليعقوبي ٢ / ١٢٣ .