وتمضي فترة من الزمن تأتي بعدها غزوة الخندق وبينما المسلمون منشغلون بحفر الخندق ورسول الله ( ص ) يعاطيهم حتى اغبرّ صدرهُ وهو يقول :
اللهم إن العيشَ عيشَ الآخرة |
|
فاغفر للأنصار وللمهاجرة |
إذ يجيىء عمار فيلتفت إليه النبي ( ص ) ويقول : « ويحكَ يا بنَ سمية ، تقتلك الفئة الباغية » وفي مناسبة أخرى يقول ( ص ) : عمار على الحق حتى يقتل بين فئتين إحدىٰ الفئتين على سبيلي وسنتي والأخرىٰ مارقةً عن الدّين خارجة عنه (١) .
إن هذه الشهادة لم تصدر من النبي ( ص ) على نحو المداعبة لابن ياسر ، ولا على نحو الإِخبار المجرد ، وإنما صدرت منه على سبيل الإِعلام ، وكأنه يرمز من خلالها إلى أمرين مهمين .
الأول : هو التنويه بشخصية عمّارٍ حيثُ استأثر باهتمامه صلواتُ اللهِ عليه دون غالبيّة الصحابة من إخوانه .
الثاني : أنه بكلماته تلك اختصر الزمان والأحداث ملْمِحاً للمسلمين بأن حرباً سوف تقع بين طائفتين منهم إحداهما باغيةً على الأخرى وظالمةً لها ، وبالتحديد : الفئة التي تقتل عمار بن ياسر . ورُبّ تلميحٍ أبلغُ من تصريح !
ثم إن المألوف لدى المؤرخ حينما يتناول حياة علمٍ من أعلام الإِنسانية أو بطل من أبطالها العظماء هو التركيزُ على الجوانب الهامة التي تمتد عبر حياته وما يتصل فيها من النواحي الإِجتماعية والثقافية وغيرها مما يؤمّن للإِنسانية بشكلٍ عام مزيداً من المعطيات الخيرة والمفيدة في مسيرتها الطويلة .
والمألوف أيضاً أن سيرة أي واحد من هؤلاء العظماء تنتهي بالمؤرخ إلى
__________________
(١) البحار ٢٢ / ٣٢٦ .