لقد كرّمك الله وفضّلك علينا ، فما ينقضي يوم إلاّ وأنت تزدادين فيه بهاء وجمالا. ثمّ خرجن من الحجر وهي في وسطهنّ تزف ، وانصرفن عنها وهنّ يتحدّثن بحديثها.
فلمّا استكملت شهورها وقربت ولادتها ، خفقت فرأت كأنّ قنديلا نزل من السماء فوقع قبالها ، ثمّ قال : يا فاطمة لقد طبت وطاب ولدك ، وعظم رشدك. ثمّ استيقظت فخبّرت أبا طالب بذلك فسرّ بما نبأته به ، وقال : يا فاطمة جاءك والله الناموس الأكبر ، واخدود الجوهر.
فلمّا كان من الغد وضعته صلّى الله عليه طاهرا نظيفا رافعا طرفه إلى السماء يومي بسبّابته ويقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّدا عبده ورسوله ونبيّه المبعوث بالحقّ. فتعجّبت النساء منه وقلن ما رأينا مثل هذا المولود ولا سمعنا بمثله ، إلاّ ما كان قبله من ابن عمّه ، يعنين محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وخبّرت بذلك أبا طالب فقال : صدق راهب الجحفة ولقيله ما صدق عبد المطّلب حيث قال : منّا نظير موسى وهارون ، بل اللذان منّا أكرم منهما.
وأقبل الزبير بن عبد المطّلب يوما إلى الكعبة فقال : يا معشر قريش علن الخفاء ، وباح السرار رأيت الليلة في المنام أخي عبد مناف قائما على الصفا قد البس اكليلا ، وإذا ولدا له كالشهاب المتوقّد وصارخ من الطريق يقول : إنّ الله جلّ وعزّ أطلع برأفته إلى العرب فاصطفى منها محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم على الرسل والأنبياء رسولا نبيّا ، واختار له من أهله حبيبا وصفيّا ووصيّا ، فبينا أنا لذلك جذل إذ رأيت محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم والملك الذي يعرف بجبرائيل يعانقه على رفرف أخضر يختطف نورهما البصر تحفّهما جيش لهما وولد أبي طالب يؤمّ ذلك الجيش ويقدمه ، فاخترعت في النوم فانتبهت وأنا حافظها.
ثمّ قال :
رأيت في النوم أخا جميلا |
|
عبد مناف لابسا اكليلا |
فوق الصفا يكثّر التهليلا |
|
وابنا له مهذّبا بهلولا |
يقود جيشا هيضما نبيلا |
|
امام من أكرم به وسيلا |