قال : قلت : يا أمير المؤمنين جعلني الله فداك فأين أطلب هؤلاء؟ قال لي : في أطراف الأرض ، هؤلاء والله يا نوف شيعتى ، يجيء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو آخذ بحجزة ربّه ، وأنا آخذ بحجزته ، وأهل بيتي آخذون بحجزتي ، وشيعتي آخذون بحجزنا ، فإلى أين يا نوف؟ فإلى الجنّة وربّ الكعبة ـ ثلاثا ـ.
يا نوف أمّا الليل فصافّون أقدامهم ، يفترشون جباههم ، تجري دموعهم على خدودهم ، يتناجون في فكاك رقابهم. وأمّا النهار فحكماء ، نجباء ، كرام ، أتقياء. يا نوف بشّر الزاهدين ، نعم ساعة الزاهدين ، أما انّها ساعة لا يسأل الله فيها عبد إلاّ أعطاه الله ما لم يكن حاشرا أو عاشرا أو ساحرا أو صاحب كوبة (١) أو صاحب عرطبة (٢).
يا نوف شيعتي الذين اتّخذوا الأرض بساطا ، والماء طيبا ، والقرآن شعارا ، قرضوا الدنيا قرضا قرضا على منهاج المسيح عيسى بن مريم عليهماالسلام (٣).
وقيل له : يا أمير المؤمنين من خيار الناس؟ قال : الذين إذا أحسنوا استبشروا ، وإذا أساءوا استغفروا ، وإذا اعطوا شكروا ، وإذا ابتلوا صبروا ، وإذا اغضبوا غفروا.
وقال عليهالسلام : الدنيا صدق لمن صدقها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ودار غناء لمن تزوّد منها ، مسجد أنبياء الله ، ومصلّى ملائكته ، ومهبط وحيه ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنّة ، فمن ذا يذمّها وقد آذنت ببينها ، ونادت بفراقها ، ونعت نفسها وأهلها ، ومثلت لهم ببلاياها البلاء ، وسوّقت بسرورها إلى السرور ، وراحت بفجيعة ، وابتكرت بعافية تحذيرا وترغيبا وتخويفا ، فذمّها رجال غداة الندامة ، وحمدها آخرون ذكّرتهم فذكروا وصدّقتهم فصدقوا. فيا أيّها الذامّ الدنيا المغترّ بغرورها متى استذمّت لك الدنيا؟ بل متى غرّتك من نفسها بمضاجع آبائك من البلى ، أم بمصارع امّهاتك من الثرى؟ كم قد علّلت بنفسك ومرضت بيدك تبغي له الشفاء وتستوصف له الأطبّاء ، لم تنفعه بشفائك ، ولم تسعف له
__________________
(١) الكوبة : الطبل.
(٢) العرطبة : الطنبور. في الاصل : العربطة.
(٣) نهج البلاغة : ص ٤٨٦ حكمة ١٠٤ ط. صبحي الصالح.