ذكر ، ويغتمون إذا ولدت لهم انثى ، وكان الرجل العربي الجاهل يصاب بضيق صدر ، وهمّ بالغ ، إذا قيل له إن زوجته وضعت انثى وقد أشار الباري سبحانه وتعالى بقوله إلى هذا : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) (١).
كان العدل والحق في زمن الجاهلية ، هو بجانب صاحب القوة ( كما في زماننا الحاضر ) وصار القوي المنيع هو صاحب الحق في الغالب.
ولما كان الرجل بتركيب جسمه الطبيعي وفطرته أقوى من المرأة منح نفسه حق سن الأحكام عندها صار الحق في الجاهلية في جانبه ورفع نفسه عنها في أكثر الأحكام وحرمها ميراثها وقايضها بديونه.
يقول الدكتور جواد علي (٢) : وفي زواج البدل ، وفي منع المرأة من الزواج إلا من قريبها لوجود حق الدم عليها ، وفي منع زواج زوجات الآباء إلا برضى ابناء الأب وذوي قرابته ، لأنهم أحق بالزواج منها. وغير ذلك من سنن الجاهلية التي كانت توحي إليهم أن المرأة دون الرجل في الحقوق ، لأنها خلقت دون الرجل في القوة ، ولم يكن أمامها بالطبع إلا الاستسلام.
ولما جاء الإسلام حرَّم كثيراً من هذه السنن ، التي لم يكن أهل الجاهلية يرونها تنافي العدالة. وقد ورد أنَّ ( كبشة بنت معن بن عاصم ) امرأة ( أبي قيس بن الأسلت ) انطلقت إلى الرسول فقالت : « إن أبا قيس قد هلك ، وإنَّ ابنه من خيار الحمى قد خطبني. » فسكت الرسول (ص) ثم نزلت الآية ( وَلا
__________________
(١) سورة النحل ـ آية ـ ٥٨ وعن مجمع البيان للطبرسي ( ظل وجهه مسوداً ) أي صار لون وجهه متغيراً الى السواد لما يظهر فيه من أثر الحزن والكراهة.
(٢) تاريخ العرب قبل الاسلام ـ الدكتور جواد علي ـ ٥ ـ صفحة ٤٨٥.