المراسيل مطلقاً ، فالصحيح أيضاً ما ذهب إليه المشهور بيان ذلك : أن المرسلة ساقطة عن الاعتبار على الفرض فلا رواية في البين غير الصحيحة المتقدمة الدالّة على تحديد الكر بستمائة رطل ، وقد مرّ أن للرطل إطلاقات فهو في نفسه من المجملات ، ولكنّا ندّعي أن الصحيحة دالّة على مسلك المشهور والرطل فيها محمول على المكي فيكون الكر ألفاً ومائتي رطل بالعراقي. وإثبات هذا المدعى من وجوه :
الأوّل : أن الرطل فيها لو حمل على غير المكي لكانت الصحيحة على خلاف الإجماع القطعي من الشيعة فلا بدّ من طرحها ، فإنّه لا قائل من الأصحاب بأن الكر ستمائة رطل بالأرطال العراقية أو المدنية. نعم ، نسب إلى الراوندي قدسسره تحديد الكر بما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصف (١) ، ولو صحت النسبة فهو أقل من ستمائة رطل بكثير.
الثاني : أن الأخبار الواردة في تحديد الكر بالمساحة تدل على أن الكر لا يقل عن سبعة وعشرين شبراً لأنه أقل التقديرات الواردة في الأخبار كستة وثلاثين وثلاثة وأربعين إلاّ ثمن شبر ، وهو لا يوافق ستمائة رطل غير مكي حيث إنّا وزنّاه غير مرّة ووجدنا سبعة وعشرين شبراً مطابقاً لألف ومائتي رطل عراقي المعادلة لستمائة رطل مكي.
ويؤيد ما ذكرناه صحيحة علي بن جعفر (٢) الدالّة على أن الماء البالغ ألف رطل لا يجوز الوضوء به ولا شربه إذا وقع فيه بول ، فانّا لو حملنا الرطل في الصحيحة على غير المكي لكان مقدار ألف رطل كراً عاصماً وهو خلاف ما نطقت به الرواية المتقدمة.
الثالث : أنّا بيّنا في الأُصول أن المخصص المنفصل إذا كان مجملاً لدورانه بين الأقل والأكثر لا يسري إجماله إلى العام بل لا بدّ من تخصيص العام بالمقدار المتيقن منه ، ويرجع إلى عمومه في المقدار المشكوك فيه (٣) ، ومقامنا هذا من هذا القبيل لإجمال كلمة الرطل في الصحيحة لدورانه بين الأقل والأكثر ، والعام دلّنا على أن الماء إذا لاقى
__________________
(١) المختلف ١ : ٢٢.
(٢) الوسائل ١ : ١٥٦ / أبواب الماء المطلق ب ٨ ح ١٦.
(٣) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٤٥.