وثانيهما : أن يحمل على أمر آخر أدق من سابقه ، وهو أن الركي الذي هو بمعنى البئر لا يكون مسطح السطح غالباً ، بل يحفر على شكل وسطه أعمق من جوانبه ولا سيّما في الآبار التي ينزح منها الماء كثيراً فإن إدخال الدلو وإخراجه يجعل وسط البئر أعمق ، وهو يوجب إحالة ما فيه من التراب إلى الأطراف والجوانب وعليه فالماء الموجود في وسط الركي أكثر من الماء في أطرافه ، إلاّ أن الزائد بدل التراب لا أنه معتبر في الكرية والاعتصام إذ المقدار المعتبر فيه سبعة وعشرون شبراً فالزيادة مستندة إلى ما ذكرناه.
ويمكن حمل الرواية على أمر ثالث وهو حملها على بيان مرتبة أكيدة من الاعتصام والكرية نظير الحمل على بيان مرتبة أكيدة من الاستحباب في العبادات ، هذا كلّه مضافاً إلى ضعف الرواية لعدم وثاقة الرجل.
وثانيتهما : رواية أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض فذلك الكر من الماء (١) وهي أيضاً تقتضي اعتبار بلوغ مكعّب الماء ثلاثة وأربعين شبراً إلاّ ثمن شبر ، وهو الذي التزم به المشهور فيعارض بها الصحيحة المتقدمة التي اعتمدنا عليها في بيان الوجه المختار.
وقد أجاب صاحب المدارك (٢) وشيخنا البهائي (٣) قدسسرهما عن هذه الرواية بضعف سندها لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى وهو مجهول في الرجال.
وأورد عليه في الحدائق بأن الرواية وإن كانت ضعيفة لما ذكر إلاّ أنه على طريق الشيخ في التهذيب ، وأمّا على طريق الكليني قدسسره في الكافي فالسند صحيح لأنّه رواها عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن أبي بصير ، ومن الظاهر أنه أحمد بن محمد بن عيسى لرواية محمد بن يحيى العطار
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٦٦ / أبواب الماء المطلق ب ١٠ ح ٦.
(٢) المدارك ١ : ٥١.
(٣) حبل المتين : ١٠٨.