أن يصيبه المطر وأن يغسل بماء آخر فيتعارضان في مثل غسل آنية الخمر بالمطر والترجيح مع المرسلة لما قررناه في محله من أن العموم مقدم على الإطلاق في المتعارضين (١) فإن دلالة المرسلة بالوضع والعموم لمكان لفظة كل ، فلا يعتبر في إصابة المطر شيء من التعدّد والعصر بل نكتفي في تطهيره بمجرد رؤية المطر.
وأمّا إذا لم نعتمد على المراسيل فربما يستدل على عدم اعتبار العصر في التطهير بالمطر بأن الدليل على اعتبار العصر في الغسل انّما هو أدلة انفعال القليل ، فان الماء الداخل في جوف المتنجس قليل لاقى متنجساً فيتنجس لا محالة ، ومع بقائه في جوف المتنجس المغسول به لا يمكن تطهيره بوجه ، فلا بدّ من إخراجه عنه بالعصر ومن هنا قلنا بنجاسة الغسالة. وهذا الوجه كما ترى يختص بالماء القليل الذي رسب في المتنجس المغسول به. وأمّا إذا كان عاصماً كالمطر فلا ينفعل بملاقاة المتنجس ليجب إخراجه عنه بالعصر في تطهير المتنجسات ، بل الماء يطهّرها بالملاقاة ، فدليل اعتبار العصر في الغسل قاصر الشمول للغسل بالمطر.
ولا يخفى أن مدرك اعتبار العصر ليس هو ما ذكره المستدل ليختص بالماء القليل. بل الوجه في اعتباره كما يأتي في محلّه (٢) أن الغسل لا يصدق بدون العصر ، ومجرّد إدخال المتنجس في الماء وإخراجه عنه أعني ترطيبه لا يسمّى غسلاً في لغة العرب ولا في غيرها من اللغات حتى يعصر أو يدلك ونحوهما ، فالغسل المعتبر لا يتحقق بغير العصر ، ولا يفرق في ذلك بين الغسل في الكر والجاري والمطر وبين الغسل بالقليل. فالصحيح في وجه عدم اعتبار العصر والتعدد في الغسل بالمطر أن يتمسك بصحيحة هشام بن سالم الدالّة على كفاية مجرد اصابة المطر للمتنجس في تطهيره معللاً بأن الماء أكثر. حيث دلت على طهارة السطح الذي يبال عليه إذا رسب فيه المطر ، فيستفاد منها أن للمطر خصوصية من بين سائر المياه تقتضي كفاية اصابته وقاهريته في تطهيره المتنجسات ، بلا حاجة فيه إلى تعدد أو عصر.
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٧٧.
(٢) قبل المسألة [٣٠٨].