وأمّا المناقشة في سندها بدعوى : أن دلالتها وإن كانت تامة كما مر إلاّ أنها كانت بمرأى من المتقدمين ، ومع ذلك لم يفتوا على طبقها وأعرضوا عنها ، وإعراض المشهور يسقط الرواية عن الاعتبار إذ قد اشترطنا في حجية الأخبار أن لا تكون معرضاً عنها عند الأصحاب.
فيمكن المناقشة فيه كبرى وصغرى. أمّا بحسب الكبرى : فلما قدمنا في بحث الأُصول من أن حجية الرواية غير مشروطة بذلك ، وإعراض الأصحاب عن رواية صحيحة لا يكون كاسراً لاعتبارها ، كما أن عملهم على طبق رواية ضعيفة لا يكون جابراً لضعفها (١). وأمّا الصغرى : فلأجل أن المتقدمين لم يعرضوا عن الصحيحة بوجه بل اعتنوا بها كمال الاعتناء ، فأوّلها بعضهم كما عن الشيخ الطوسي قدسسره وربما يظهر من استبصاره أيضاً ، وبعضهم رأى المعارضة بينها وبين ما دلّ على نجاسة البئر ورجّح معارضها عليها لأنه أكثر بحسب العدد ، ويعتبر في تحقق الإعراض أن لا تكون الرواية معارضة بشيء. وهذا كما في صحيحة زرارة الواردة فيمن صلّى العصر ثم التفت إلى انّه لم يأت بالظهر. حيث دلت على أنه يجعلها ظهراً ، فإنّها أربع مكان أربع (٢) وهي مع عدم ابتلائها بالمعارض غير معمول بها عند الأصحاب ، فبناء على أن اعراض المشهور عن رواية يسقطها عن الاعتبار لا يمكن العمل على طبق الصحيحة المتقدمة ، كما أنه بناء على مسلكنا لا مانع من العمل على طبقها. وأمّا إذا كانت الرواية معارضة بشيء فالعمل بمعارضها لا يوجب تحقق الاعراض عن الرواية ، إذ لعلّهم لم يعملوا بها لرجحان معارضها عندهم ، فالرواية في المقام مما لا مناقشة في شيء من سنده ولا في دلالته.
وعلى الجملة الصحيحة حصرت موجب النجاسة في البئر بالتغيّر فملاقاة النجاسة لا توجب انفعالها ، كما دلت على أن وجود المادّة ترفع نجاستها بعد زوال تغيّرها
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٠١.
(٢) روى زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليهالسلام في حديث قال : « إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الاولى ثم صل العصر ، فإنّما هي أربع مكان أربع ... » المرويّة في الوسائل ٤ : ٢٩١ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١.