يذهب الريح ، ويطيب طعمه لأن له مادّة » (١) حيث دلت على أن ماء البئر واسع الحكم والاعتصام وغير مضيق بما إذا بلغ كراً كما في سائر المياه فلا ينفعل مطلقاً وهذا معنى قوله « لا يفسده شيء » وأمّا قوله عليهالسلام لأن له مادّة فهو إما علة لقوله « واسع » فيدل على أن اعتصام البئر مستند إلى أن له مادّة ، وإما علة لقوله « فيطهر » المستفاد من قوله « فينزح » أي ينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه فيطهر لأن له مادّة ، فتدل على أن ماء البئر يرفع النجاسة الطارئة عليه بعد زوال تغيّره لاتصاله بالمادّة ، ومنه يظهر أنه يدفع النجاسة أيضاً بطريق أولى لأن الدفع أهون من الرفع.
وعلى الجملة يستفاد من تلك الصحيحة أن ماء البئر معتصم لا ينفعل بملاقاة النجاسة لمكان مادته. ودعوى : أن ماء البئر واسع بمعنى أنه كثير وهو واسع الماء لا بمعنى أنه معتصم وواسع الحكم ، تندفع : بأنه على خلاف الفهم العرفي من مثلها فان العرف يستفيد منه أنه واسع الحكم على خلاف غيره من المياه ولا ينسبق إلى أذهانهم أنه واسع الماء.
وأمّا ما ذكره الشيخ الطوسي قدسسره من أن معنى قوله « لا يفسده شيء » أنه لا يفسده شيء إفساداً غير قابل للإصلاح والزوال ، فإن البئر تقبل الإصلاح بنزح المقدرات (٢).
فيدفعه : ما أفاده المحقق الهمداني قدسسره (٣) بتفسير منّا من أن هذا الكلام لو كان صدر من متكلّم عادي لأجل تفهيم المعنى المدعى كان مضحكاً عند أبناء المحاورة فكيف يصدر مثله عن الإمام الذي هو أفصح المتحاورين وقال : ولعمري إن طرح الرواية وردّ علمها على أهلها أولى من إبداء هذا النحو من الاحتمالات العقلية التي لا يكاد يحتمل المخاطب إرادتها من الرواية خصوصاً في جواب المكاتبة. وعليه فمعناه ما قدّمناه من أنه واسع لا ينفعل بشيء من النجاسات فالمناقشة في دلالتها ساقطة.
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٤١ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١٢ ، وص ١٧٢ ب ١٤ ح ٦.
(٢) الاستبصار ١ : ٨٥ / ٨٧.
(٣) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ٣٢ السطر ٢٧.