وتوهّم أن المراد بالعذرة عذرة ما يؤكل لحمه من الشاة والبقر ونحوهما دون عذرة الإنسان أو غيره مما لا يؤكل لحمه.
مندفع : أولاً : بأن العذرة مرادفة للخرء وهو الذي يعبّر عنه في الفارسية بلفظة مخصوصة ويختص استعمالها بمدفوع الإنسان أو ما يشابهه في النجاسة والريح الكريهة من مدفوع سائر الحيوانات كمدفوعي الكلب والهرة ونحوهما ، وقد أُطلقت عليه في بعض الروايات أيضاً فراجع (١) ، ولا يطلق على مدفوع ما يؤكل لحمه ، وانّما يطلق عليه السرقين الذي هو معرب سرگين.
وثانياً : أن سؤال الراوي عن حكم زنبيل من سرقين بعد سؤاله عن الزنبيل من العذرة ، ينادي بأعلى صوته على أن المراد بالعذرة ليس هو عذرة ما يؤكل لحمه وهي التي يعبّر عنه في لغة العرب بالسرقين ، وإلاّ لم يكن وجه لسؤاله عنه ثانياً ، فهذا التوهّم أيضاً لا أساس له.
ودعوى أن المراد نفي البأس بعد النزح المقدّر لأنه مقتضى الجمع العرفي بين المطلق والمقيد ، فإن الصحيحة قد دلت على نفي البأس بالتوضؤ بماء البئر بعد ملاقاة النجس مطلقاً ، فلا مناص من تقييدها بالأخبار الدالّة على لزوم النزح بملاقاة النجس.
فيدفعها أن الأخبار الآمرة بالنزح لا دلالة لها على النجاسة. إذن فلا وقع لهذا الاحتمال ولعمري أن مثل هذه الاحتمالات يوجب سد باب الاستنباط من الأخبار.
ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام « في الفأرة تقع في البئر فيتوضأ الرجل منها ، ويصلي وهو لا يعلم ، أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ فقال : لا يعيد الصلاة ، ولا يغسل ثوبه » (٢) وقد دلت على عدم انفعال ماء البئر بوقوع الفأرة فيه ، فان الظاهر من وقوع الفأرة في البئر إنما هو موتها فيها ، كما يقال وقع فلان في
__________________
(١) ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب ... » الحديث. حيث أُطلقت العذرة على مدفوعي السنّور والكلب لما فيهما من الرائحة الكريهة. المروية في الوسائل ٣ : ٤٧٥ / أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥.
(٢) الوسائل ١ : ١٧٣ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٩.