البئر أي مات فيها ، حيث لا موجب لتوهّم انفعال ماء البئر بخروج الفأرة منها حية. ثم إن لفظة فاء في قوله عليهالسلام « فيتوضأ » تدل على أن مفروض كلام السائل هو التوضؤ بعد وقوع الفأرة فيه ، وهو الذي حكم عليهالسلام فيه بطهارة البئر وعدم إعادة الصلاة وعدم وجوب الغسل ، وأمّا إذا لم يدر أن وضوءه كان قبل وقوع الفأرة في البئر أم كان بعده فهو خارج عن كلامه ، فدلالتها على عدم انفعال البئر ظاهرة. نعم ، لا إطلاق لها حتى تشمل صورة تغيّر البئر بوقوع الفأرة فيها أيضاً ، لأن عدم تعرضه عليهالسلام لنجاسة ماء البئر على تقدير تغيّره ، لعلّه مستند إلى أن وقوع مثل الفأرة في البئر لا يوجب تغيّر مائها بوجه.
ومنها : رواية أُخرى لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : « سمعته يقول : لا يغسل الثوب ، ولا تعاد الصلاة مما وقع في البئر إلاّ أن ينتن فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ، ونزحت البئر (١). وقد دلت أيضاً على عدم انفعال ماء البئر بملاقاة النجاسة في غير صورة التغيّر بها ، وهو المراد من قوله إلاّ أن ينتن ولعلّه إنما عبّر به ولم يعبّر بالتغيّر من أجل أن الغالب فيما يقع في البئر هو الميتة من آدمي أو فأرة ونحوهما ، والميتة تغيّر الماء بالنتن.
ومنها : موثقة أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : « بئر يستقى منها ويتوضأ به ، وغسل منه الثياب وعجن به ، ثم علم أنه كان فيها ميّت ، قال : لا بأس ولا يغسل منه الثوب ولا تعاد منه الصلاة » (٢). والوجه في دلالتها ظاهر ، والمراد بالميت فيها إما ميت الإنسان كما هو الظاهر منه في الإطلاقات. وإما مطلق الميت في مقابل الحي. وإنما لم تتعرض لنجاسة البئر على تقدير تغيّرها بالميت من جهة أن مفروض كلام السائل هو صورة عدم تغيّرها بها حيث قال : ثم علم أنه كان ... فان الماء لو كان تغيّر بالميت لالتفت عادة إلى وجود الميت فيه حال الاشتغال والاستعمال بشيء من طعمه أو ريحه أو لونه كما لا يخفى ، فلا إطلاق لها بالإضافة إلى صورة التغيّر
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٣ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٠.
(٢) الوسائل ١ : ١٧١ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ٥.