بالنجس. وهذه جملة الأخبار الواردة في عدم انفعال البئر بملاقاة النجاسة. ولمكان إطلاقها لا يفرق في الحكم بالاعتصام بين قلة مائها وكثرته.
نعم ، ورد في موثقة عمار تقييد الحكم باعتصام البئر بما إذا كان فيها ماء كثير. حيث قال : « سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن البئر يقع فيها زبيل عذرة يابسة ، أو رطبة ، فقال : لا بأس إذا كان فيها ماء كثير » (١) وبها يقيد إطلاقات سائر الأخبار ويفصّل بين ما إذا كان ماء البئر كثيراً فيعتصم وما إذا كان قليلاً فيحكم بانفعاله ، وفي الحدائق أسند الرواية إلى أبي بصير (٢) إلاّ أنه من اشتباه القلم.
والجواب عن ذلك بوجهين : أحدهما : أن لفظة الكثير لم تثبت لها حقيقة شرعية ولا متشرعية بمعنى الكر ، وإنما هي باقية على معناها اللغوي. ولعلّ الوجه في تقييده عليهالسلام بذلك أن ماء البئر لو كان في مورد الرواية بقدر كر أو أقل ، لتغيّر بوقوع زبيل العذرة عليه لكثرتها. ومن هنا قيّده بما إذا كان ماؤها غزيراً وأكثر من الكر فهي في الحقيقة مفصلة بين صورتي تغيّر ماء البئر وعدمه لا أنها تفصل بين الكر والقليل.
وثانيهما : أن صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قد حصرت سبب الانفعال في ماء البئر بالتغيّر ، ودلت على طهارته بزوال تغيّره مطلقاً بلغ حدّ الكر أم لم يبلغه ولصراحتها نرفع اليد عما دلّ على اشتراط الكرية في البئر ونحمل الرواية المتقدمة على ما ذكرناه آنفاً. وأمّا رواية الحسن بن صالح الثوري (٣) التي دلت على عدم انفعال الماء في الركي إذا بلغ كراً فقد عرفت أنها ضعيفة لا نعمل بها في موردها فضلاً عن أن نقيد بها الروايات المتقدمة.
هذا كلّه فيما دلّ على عدم انفعال ماء البئر مطلقاً ، وقد عرفت أنها تامة سنداً ودلالة ، فلا بدّ بعد ذلك من صرف عنان الكلام إلى بيان ما يعارضها من الأخبار
__________________
(١) الوسائل ١ : ١٧٤ / أبواب الماء المطلق ب ١٤ ح ١٥.
(٢) الحدائق ١ : ٣٦٢.
(٣) الوسائل ١ : ١٦٠ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ٨.