عن السطح الظاهر من الماء عند وقوع شيء عليه كالذباب إذا وقع في الماء ولا يستقذرون جميعه على ما يدعون. وحيث إن الأمر كما سمعت والنظافة مورد لاهتمام الشارع ، فلا مانع من حمل الطائفة الثانية أيضاً من روايات تباعد البئر والبالوعة على التحفظ على نظافة الماء وعدم قذارته ، فلو أبيت إلاّ عن صراحة الرواية في نجاسة البئر فلا محيص من حملها على التقية ، لأنها موافقة للعامة إذ الرواية حينئذٍ نظير غيرها من الأخبار الدالّة على نجاسة البئر بالملاقاة وقد مرّ أنها محمولة على التقية.
فالضابط الكلي في جميع الطوائف المتقدمة المدعى دلالتها على نجاسة البئر ، أنها إن لم تكن صريحة في نجاسة البئر وكانت قابلة لضرب من التأويل ، فنحملها على تحصيل النظافة ودفع الاستقذار الطبعي عن الماء. وإذا كانت صريحة الدلالة على النجاسة أو كالصريح بحيث لم يمكن رفع اليد عن ظهورها فلا بدّ من حملها على التقية ، فأمر الأخبار المذكورة يدور بين التقية والتأويل ، وكل ذلك لتمامية الروايات الدالّة على طهارة البئر ، ولا محيص من الالتزام بذلك ما لم تتغيّر البئر بالنجاسة.
وتوهّم أن طهارة البئر على خلاف إجماع المتقدمين من الأصحاب ، والالتزام بها خرق للاتفاق القطعي بينهم. يندفع : بأن إجماعهم على نجاسة البئر ليس إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن قول المعصوم عليهالسلام لأن مستند حكمهم هو الروايات المتقدمة ومع وضوح المستند أو احتماله لا وقع للإجماع بوجه ولا بدّ من مراجعة ذلك المستند ، وقد أسمعناك بما لا مزيد عليه عدم دلالة شيء من الأخبار المتقدمة على المدعى لحملها على التقية أو على التحفظ على نظافة الماء.
وأمّا الطائفة الرابعة : وهي صحيحة أبي بصير المتقدمة فقد يجاب عنها بأن البأس ليس بمعنى النجاسة ولا يدل عليها بوجه ، وإنما معناه أن وقوع ما له نفس سائلة ليس كوقوع ما لا نفس سائلة له ، بل فيه بأس وشيء ، وليكن هذا هو استحباب النزح في مثله ، فان وقوع ما لا نفس له لا يوجب استحباب النزح ولا شيئاً آخر. وفيه : أن الرواية بقرينة سائر الأخبار الدالّة على نجاسة البئر بوقوع الميتة فيها ظاهرة في أن ما وقع في البئر إذا كان له نفس سائلة يوجب نجاستها.