وكذا الحال فيما وجب نزح الجميع ، وذلك للعلم بأن الغرض منه عدم بقاء شيء من الماء النجس في البئر بلا فرق في ذلك بين الأسباب.
وأمّا إذا وقع فيها ما يوجب نزح أربعين أو خمسين أو غيرهما من المقدرات غير نزح الجميع ، فهل يكفي في تطهيرها نزح المقدر مرة واحدة بمثل دلو كبير يسع الأربعين أو غيره من المقدرات أو بالمكائن الجديدة ونحوها ، أو لا بدّ فيه من نزح المقدر دلواً فدلواً إلى أن ينتهي ويتم؟
التحقيق هو الثاني ، لأنه مقتضى الجمود على ظواهر الأخبار حيث دلت على نزح أربعين دلواً ونحوه ، ولا يستفاد منها كفاية مطلق الإخراج والإعدام ، ولا سيما أنّا نحتمل بالوجدان أن يكون للنزح التدريجي خصوصية دخيلة في حصول الغرض واقعاً ، فإن المادّة يمكن أن تدفع بدل المتحلل من الماء إذا نزح شيئاً فشيئاً ، وليس الأمر كذلك فيما إذا نزح منها مقدار ثلاثين أو أربعين دلواً مرة واحدة ، فإن المادّة لا تدفع الماء بهذا المقدار دفعة ، ومن المحتمل أن يكون لخروج الماء من المادّة بمقدار المتحلل بالنزح مدخلية في حصول الغرض شرعاً.
ثم إن صريح رواية الفقه الرضوي (١) أن المراد بالدلو في مقدرات البئر هو ما يسع أربعين رطلاً من الماء ، ولكن المشهور لم يعملوا على طبقها بل أفتوا بكفاية الدلو المتعارف. على أن الرواية كما نبهنا عليه غير مرة ضعيفة في نفسها بل لم يثبت كونها رواية أصلاً ، فالصحيح كفاية أقل الدلاء المتعارفة ، وذلك لما أشرنا إليه مراراً من أن المقادير المختلفة بحسب القلة والكثرة أو الزائد والناقص لا بدّ من أن يكتفى فيها بالمتعارف الأقل نظراً إلى أنه تقدير في حق عامة الناس ، وغير مختص بطائفة دون طائفة.
الثالث : أن اتصال الماء النجس بالكر أو الجاري وغيرهما من المياه العاصمة يطهّره كما عرفت ، فهل يكفي ذلك في تطهير الآبار المتنجسة أيضاً على القول بانفعالها
__________________
(١) فقه الرضا : ٩٢ « وإذا سقط في البئر فأرة أو طائر أو سنور وما أشبه ذلك فمات فيها ولم يتفسخ نزح منه سبعة أدل من دلاء هجر والدلو أربعون رطلاً ».