وأمّا دعوى السيرة الارتكازية بتقريب أن المتشرعة بارتكازهم لا يفرّقون في قبول قول ذي اليد بين الطهارة والكرية ، وأن الكرية أيضاً لو كانت متحققة في زمانهم عليهمالسلام لكانوا يعتمدون على إخباره بالكرية نظير الإجماع التقديري الذي ادعاه شيخنا الأنصاري قدسسره في دليل الانسداد (١).
فهي أيضاً لا ترجع إلى ركن وثيق وذلك : لأن الارتكاز إن رجع إلى المكلفين بأنفسهم كان حكمه حكم الأُمور الموجودة خارجاً ، نظير اشتراط التساوي في المالية في باب المعاملات ، لأن المعاملة مبادلة في أشخاص العوضين مع التحفظ على مقدار ماليتهما ، حيث إن البشر يحتاج إلى تبديل الأعيان بالضرورة لاحتياج بعضهم إلى اللباس وآخر إلى الفراش ، وثالث إلى المأكول ، فيتبادلون لرفع احتياجاتهم مع التحفظ على مالية الأموال ، فاشتراط التساوي بين العوضين أمر ارتكازي للعقلاء بأنفسهم ، فلو باع ما يسوى فلساً بدرهم يثبت للمشتري خيار تخلف الشرط الارتكازي وهو كالشرط المصرح به حقيقة ، وبهذا أثبتنا خيار الغبن في محله حيث لم نجد دليلاً آخر عليه هذا ، فيما إذا كان الارتكاز راجعاً إلى نفس المكلفين.
وأمّا إذا لم يرجع إلى المكلفين بأنفسهم فلا اعتبار به وهذا كالارتكاز على قبول قول ذي اليد في الإخبار عن الكرية ، إذ السيرة بما هي لا تكون حجة بل يتوقف اعتبارها على أمر آخر أجنبي عن المكلفين ، وهو تقريرهم وعدم ردعهم عليهمالسلام عنها ، واستكشاف ذلك إنما يمكن فيما إذا كان العمل بمرأى ومسمع منهم عليهمالسلام فان في مثله إذا لم يردعوا عنها استكشف عنه إمضاؤهم بذلك العمل وهذا غير متحقق في السيرة الارتكازية ، لأنّا لو سلمنا أن المتشرعة في عصرهم عليهمالسلام لو أخبرهم ذو اليد بكرية ماء لعملوا به لم يترتب على ذلك أثر شرعي فإن السيرة بما هي لا حجية فيها كما مر بل تتوقف على الإمضاء وعدم الردع عنها ، ولا علم لنا بأن الأئمة لم يكونوا يردعون عن عملهم بإخبار ذي اليد عن الكرية
__________________
(١) فرائد الأُصول ١ : ١٨٤.