وأمّا بالنظر إلى الأخبار : فقد دلّ غير واحد منها على عدم نجاسة الملاقي لماء الاستنجاء ، أو على عدم البأس به على اختلاف ألسنتها ، وهذه الأخبار وإن وردت في خصوص الثوب إلاّ أن الظاهر أن لا خصوصية له ولا فرق بينه وبين سائر الملاقيات.
وكيف كان لا إشكال في طهارة الملاقي لماء الاستنجاء ولا خلاف فيها بينهم. وإنما الكلام في وجه ذلك ، وأن طهارته هل هي مستندة إلى طهارة الماء المستعمل في الاستنجاء ، وإلى أن عدم نجاسته من جهة عدم المقتضي لها فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها ، وخروج الملاقي لماء الاستنجاء عما دلّ على تنجس الملاقي للمائع المتنجس خروج موضوعي ، أو أنها مستندة إلى ما دلّ عليها تخصيصاً لما دلّ على منجسية النجاسات والمتنجسات فماء الاستنجاء وإن كان في نفسه محكوماً بالنجاسة إلاّ أنه لا ينجس ملاقيه؟ ولا بدّ في استكشاف ذلك من مراجعة روايات الباب.
فمنها : ما عن يونس بن عبد الرحمن ، عن رجل ، عن الغير أو عن الأحول أنه قال لأبي عبد الله عليهالسلام في حديث : « الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به؟ فقال : لا بأس ، فسكت فقال : أو تدري لم صار لا بأس به؟ قال : قلت : لا والله ، فقال : إن الماء أكثر من القذر » (١). وهذه الرواية لولا ما في ذيلها من التعليل لأمكن أن يرجع نفي البأس في كلامه عليهالسلام إلى الثوب ومعنى نفي البأس عن الثوب طهارته ، وعليه كانت الرواية ساكتة عن بيان طهارة الماء المستعمل ونجاسته إلاّ أن التعليل المذكور يدلنا على أن نفي البأس راجع إلى الماء المستعمل في الاستنجاء لأنه أكثر من القذر فلا يتغيّر به ، ولأجل طهارته لا ينجس الثوب فالسالبة سالبة بانتفاء موضوعها وأن عدم نجاسة الملاقي من جهة أنه لا مقتضي لها.
ولكن الرواية مع ذلك مخدوشة سنداً ودلالة : أمّا بحسب السند ، فلجهالة الرجل الذي روى عنه يونس فهي في حكم المرسلة ودعوى أن يونس من أصحاب الإجماع فمراسيله كمسانيده ، ساقطة بما مرّ مراراً من عدم إمكان الاعتماد على المراسيل كان مرسلها أحد أصحاب الإجماع أم كان غيره.
__________________
(١) الوسائل ١ : ٢٢٢ / أبواب الماء المضاف ب ١٣ ح ٢.