فتحصّل إلى هنا أن الأخبار الواردة في المقام كلها ساكتة عن بيان طهارة ماء الاستنجاء وإنما دلت على طهارة ملاقيه فحسب.
وعليه فيقع الكلام في الحكم بطهارة الماء المستعمل في الاستنجاء من جهة استلزام الحكم بطهارة الملاقي الحكم بطهارة نفس الماء ، أو من جهة الملازمة العرفية بين طهارة الملاقي وطهارة الملاقي.
أمّا من ناحية استلزام الحكم بطهارة الملاقي طهارة نفس الماء فلا ينبغي الإشكال في أنه لا ملازمة بينهما عقلاً ، لاحتمال أن يكون الماء نجساً ، وإنما لم ينجس الملاقي تخصيصاً لعموم ما دلّ على منجسية المتنجسات ، فلا مناص من التمسك بعموم ما دلّ على انفعال الماء القليل بالملاقاة ، ولا مجال للتمسك بعموم ما دلّ على منجسية النجس والمتنجس كي تثبت بأصالة عدم تخصيصه طهارة ماء الاستنجاء ، ويستكشف بذلك أن خروجه عن ذلك العموم تخصصي لا تخصيصي ، فإنّه لو كان نجساً لكان الحكم بطهارة ملاقيه موجباً لتخصيص العموم.
والوجه في عدم إمكانه ما أشرنا إليه في محله من أن التمسك بالعموم إنما يسوغ فيما إذا شكّ في حكم فرد بعد إحراز فرديته والعلم بدخوله في موضوع العموم ، كما إذا شككنا في وجوب إكرام زيد العالم ، فإنه لا مانع في مثله من التمسك بعموم إكرام العلماء مثلاً بمقتضى بناء العقلاء وبه يثبت وجوب إكرامه ، وأمّا إذا انعكس الحال وعلمنا بالحكم في مورد وشككنا في أنه من أفراد العام ، كما إذا علمنا بحرمة إكرام زيد وترددنا في أنه عالم أو جاهل ، فلم يثبت بناء من العقلاء على التمسك بأصالة العموم لإثبات أنه ليس بعالم.
ومقامنا هذا من هذا القبيل ، لأنّا علمنا بعدم منجسية ماء الاستنجاء بمقتضى الأخبار المتقدمة وإنما نشك في أنه من أفراد الماء المتنجس ليكون عدم منجسيته تخصيصاً في عموم ما دلّ على منجسية الماء المتنجس ، أو أنه طاهر حتى يكون خروجه عن ذلك العموم تخصصاً ، فلا يمكننا التمسك بأصالة العموم لإثبات طهارة ماء الاستنجاء ، بل لا مناص من الرجوع إلى عموم ما دلّ على انفعال القليل بالملاقاة