يعتبر في أيها ، وتفصيل الكلام في ذلك موكول إلى محلّه ، وإنما نتكلّم عنها بمقدار يناسب المقام فنقول : الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين :
إحداهما : من جهة الأصل العملي ، وأنه إذا شككنا في طهارة شيء ونجاسته بعد غسله مرة واحدة لاختلاف النجاسات في ذلك حيث يعتبر في بعضها الغسل مرتين كما في البول ، وتكفي المرة الواحدة في بعضها الآخر كما يعتبر في بعضها الغسل سبع مرّات فهل يرجع فيه إلى استصحاب النجاسة للعلم بتحققها سابقاً والشك في زوالها بالغسل مرة ، أو أن المرجع حينئذٍ هي قاعدة الطهارة؟ وهذه المسألة تبتني على جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية وعدمه ، فعلى الأول يرجع في المقام إلى استصحاب النجاسة حتى نتيقن بزوالها ، كما أنه على الثاني يرجع إلى قاعدة الطهارة.
وثانيتهما : من جهة الدليل الاجتهادي وأنه إذا بنينا على جريان استصحاب النجاسة في أمثال المقام فهل هناك دليل اجتهادي من عموم أو إطلاق يقتضي كفاية الغسل مرة كي يمنع عن جريان الأصل العملي حينئذٍ؟ هذه الجهة هي التي يقع الكلام فيها في المقام ، وأمّا الجهة الأُولى فتحقيقها موكول إلى محلّه وقد ذكرنا فيه أن الصحيح عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية الإلهية فنقول :
الصحيح أن في المقام إطلاقات تقتضي الاكتفاء في تطهير المتنجسات بالغسل مرة واحدة وهي مانعة عن جريان استصحاب النجاسة ، وبها نحكم بكفاية الغسل مرة فيما لاقته غسالة متنجسة ، ولا تجري أحكام المتنجس إلى غسالته فلا نعتبر التعدد في غسالة ما يعتبر فيه التعدّد. ومن هنا اتفق الأصحاب قدسسرهم على عدم وجوب التعفير فيما لاقاه الماء المستعمل في تطهير ما ولغ فيه الكلب وعلى كفاية غسله مرّة واحدة. وعلى الجملة أن مقتضى تلك الإطلاقات الاكتفاء بالغسل مرة واحدة في تطهير أي متنجس من أي نجس. وتستفاد هذه الإطلاقات من الأوامر الواردة في غسل المتنجسات من دون تقييده بمرّتين أو أكثر ، وإليك بعضها :
منها : صحيحة زرارة قال : « قلت أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من مني فعلّمت أثره إلى أن أُصيب له الماء فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئاً وصلّيت ثم إني ذكرت بعد ذلك؟ قال : تعيد الصلاة وتغسله. قلت : فانّي لم أكن رأيت