أمّا الجهة الاولى : فلا ينبغي الإشكال في جواز الانتفاعات والتصرفات الواقعة فيه ، لقوله عليهالسلام : « كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام » (١) وقد يقال كما أشار إليه شيخنا الأنصاري قدسسره في ذيل تنبيهات البراءة بأن الأموال خارجة عن أصالة الحلية والأصل فيها حرمة التصرف حتى يعلم حليته للإجماع ولرواية محمّد بن زيد الطبري : « لا يحل مال إلاّ من وجه أحلّه الله » (٢) حيث دلت على أن الأموال محكومة بالحرمة حتى يتحقق سبب حليتها ، ومع الشك في وجود السبب المحلل يجري الأصل في عدمه (٣).
ولكن الصحيح أن الأموال كغيرها فتجري فيها أصالة الحل ما لم يعلم حرمتها بدلالة دليل أو قيام أصل مثبت لحرمتها ، وذلك لأن الإجماع المدعى لا نطمئن بكونه تعبدياً كاشفاً عن رأي الإمام.
وأمّا الرواية فيدفعها : أوّلاً : ضعف سندها حيث إن جملة ممن وقع في طريقها مجاهيل والمجلسي قدسسره وإن قوّى وثاقة سهل بن زياد (٤) ، إلاّ أنها لم تثبت كما لم تثبت وثاقة غيره من رجال السند.
وثانيا : أن الرواية قاصرة الدلالة على المدعى ، لأن المراد من قوله عليهالسلام « لا يحل مال ... » إلخ لو كان هو ما ادعاه المستدل من أن كل مال محكوم بحرمة التصرّف فيه حتى يتحقق سبب حليته لم تكن فيه جهة ارتباط بالسؤال ، حيث إن
__________________
(١) قدّمنا أن هذه الجملة وردت في عدة روايات وبيّنا مواضعها في تعليقة ص ٢٥٩ ، فراجع.
(٢) والرواية هي عن محمد بن الحسن وعن علي بن محمد جميعاً عن سهل عن أحمد بن المثنى عن محمد بن زيد الطبري قال : « كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليهالسلام يسأله الاذن في الخمس فكتب إليه : بسم الله الرّحمن الرّحيم إن الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب ، وعلى الضيق الهم ، لا يحل مال إلاّ من وجه أحله الله ، إن الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالنا ، وعلى موالينا ( أموالنا ) وما نبذله ، ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ... » الحديث المروي في الوسائل ٩ : ٥٣٨ / أبواب الأنفال ب ٣ ح ٢.
(٣) فرائد الأُصول ١ : ٣٧١.
(٤) رجال المجلسي ( الوجيزة ) : ٢٢٤.