فيما إذا كانت طولية كالوضوء والتيمم في هذه المسألة وفي المسألة الثالثة ، وذلك للعلم بوجوب الوضوء إن كان الباقي مطلقاً وبوجوب التيمم إن كان مضافاً ، ومقتضاه الجمع بين الطهارتين.
وأمّا مبنى جواز الاكتفاء بخصوص التوضؤ من الباقي فالظاهر انحصاره في الاستصحاب ، حيث إن التوضؤ به كان واجباً قبل فقدان أحدهما للاحتياط واشتباه المطلق بالمضاف ، والأصل أنه باق على وجوبه بعد فقدان أحد الطرفين.
ويدفعه : أن الوضوء لا بدّ من أن يكون بالماء المطلق شرعاً ، واستصحاب وجوب التوضؤ بالباقي لا يثبت أنه ماء مطلق فلا يحرز بهذا الاستصحاب أنه توضأ بالماء المطلق.
وأمّا مبنى الاحتمال الأخير وهو الذي نفينا عنه البعد في تعليقتنا فهو أن العلم الإجمالي لا ينجز متعلقه فيما إذا كانت أطرافه طولية. بيان ذلك : أن وجوب الوضوء إنما هو مترتب على عنوان واجد الماء ، كما أن وجوب التيمم مترتب على عنوان فاقد الماء ، لأنه مقتضى التفصيل في قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ) إلى قوله ( وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) (١). ثم إن المراد بالفقدان ليس هو الفقدان الحقيقي ، وإنما أُريد به عدم التمكن من استعمال الماء وإن كان حاضراً عنده وذلك للقرينة الداخلية والخارجية.
أمّا القرينة الداخلية : فهي ذكر المرضي في سياق المسافر والجنب فان الغالب وجود الماء عند المريض ، إلاّ أنه لا يتمكن من استعماله لا أنه لا يجده حقيقة. نعم ، لو كان اقتصر في الآية المباركة بذكر المسافر فقط دون المرضى لكان حمل عدم الوجدان على الفقدان الحقيقي بمكان من الإمكان ، فإن المسافر في البراري والفلوات كثيراً ما لا يجد الماء حقيقة.
وأمّا القرينة الخارجية : فهي الأخبار الواردة في وجوب التيمم على من عجز عن
__________________
(١) المائدة ٥ : ٦.