وهي نظير اشتباه المطلق بالمضاف فان الوضوء منهما يوجب القطع بحصول الطهارة لا محالة ، ومعه لا ينبغي التأمّل في إجزاء ذلك ، بل لولا جواز التيمم حينئذٍ بمقتضى الروايتين المتقدمتين لقلنا بوجوب التوضؤ من المشتبهين على الكيفية المتقدمة لتمكن المكلف من الماء وعدم كونه فاقداً له ، إلاّ أن ملاحظة المشقة النوعية على المكلفين في التوضؤ بتلك الكيفية المتقدمة من الماءين المشتبهين دعت الشارع إلى عدم الحكم بتعيّن الوضوء حينئذٍ بتجويز التيمم في حقهم ، وما ذكرناه في هذه الصورة لا يختص بالماءين القليلين ويأتي في الكثيرين أيضاً كما هو ظاهر.
أمّا الصورة الثانية : فهي غير موجبة للقطع بإتيان الصلاة متطهراً ، لاحتمال أن يكون الماء الأوّل هو النجس ، ومعه يحتمل بطلان كلا وضوئيه ، أمّا وضوؤه الأوّل فمن جهة احتمال نجاسة الماء ، وأمّا وضوؤه الثاني فلأجل احتمال نجاسة مواضع الوضوء. وهذا أيضاً غير مختص بالقليلين كما هو ظاهر. فالمتعين حينئذٍ أن يتيمم أو يتوضأ على كيفية اخرى ، ولا يمكنه الاكتفاء بالتوضؤ من الماءين بهذه الكيفية وهذا أيضاً لا كلام فيه.
وإنما الإشكال في الصورة الثالثة : وأنه هل يمكن الاكتفاء بصلاة واحدة بعد التوضؤ من كلا الماءين المشتبهين وتخلل الغسل بينهما مع قطع النظر عن النص؟
ذكر صاحب الكفاية قدسسره (١) أن الماءين إن كانا قليلين فوجوب التيمم حينئذٍ على طبق القاعدة من غير حاجة فيه إلى النص ، وذلك للعلم التفصيلي بنجاسة بدن المتوضي أو المغتسل عند إصابة الماء الثاني إما لنجاسته أو لنجاسة الماء الأوّل وبما أن الثاني ماء قليل لا يكفي مجرد إصابته في طهارة بدنه فبعد غسل مواضع الوضوء أو الغسل بالماء الثاني يشك في طهارة بدنه فيستصحب نجاسته المتيقنة حال إصابة الماء الثاني. ولا يعارضه استصحاب طهارته المعلومة إجمالاً إما قبل الغسل بالماء الثاني أو بعده ، وذلك للجهل بتاريخها وعدم اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيها ، وهذا بخلاف النجاسة فإن تاريخها معلوم ، وهو أول آن إصابة الماء الثاني بدنه
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٧٩.