نعم ، إذا كان جارياً من العالي (*) إلى السافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس
______________________________________________________
يقتضي نجاسته ، وقد دلت بإطلاقها على عدم الفرق في المائع بين المضاف والمطلق وبين كثرته وقلته.
ومما يؤيد به المدعى روايتان : إحداهما ما عن السكوني (١) وثانيتهما : رواية زكريا ابن آدم (٢) وقد اشتملتا على السؤال عن حكم المرق الكثير الذي وجدت فيه ميتة فأرة كما في أُولاهما ، أو قطرت فيه قطرة خمر أو نبيذ مسكر كما في ثانيتهما وقد حكم عليهالسلام في كلتيهما بأن المرق يهراق ، وأمّا اللحم فيغسل ويؤكل حيث دلتا على انفعال المضاف أعني المرق وهو ماء اللّحم مع فرض كثرته عند ملاقاته النجس ، ولا استبعاد في كون المرق بمقدار كر لما حكاه سيدنا الأستاذ ( أدام الله إظلاله ) من أن العرب في مضايفهم ربّما يطبخون بعيراً في القدور ، والقدر الذي يطبخ فيه البعير يشتمل على مرق يزيد عن الكر قطعاً ، ولا سيما على ما يأتي منّا في محلّه من تحديد الكر بسبعة وعشرين شبراً.
ودعوى انصراف الأخبار عن المضاف الكثير لقلّة وجوده لو سلّمت فإنّما تتمّ في البلدان والأمصار دون القرى والبوادي ، لأنّهم كثيراً ما يجمعون الألبان (٣) في القدور أو غيرها بما يزيد عن الكر بكثير. فإذا دلّت الأخبار على انفعال المضاف بقليله وكثيره بالملاقاة ، فلا يفرق فيه الحال بين أن يكون كراً أو أزيد منه فإنّه ينفعل بملاقاة النجس مطلقاً حسب الأدلة المتقدمة.
ثم إن قلنا بعدم انفعال المضاف الكثير فإن قلنا بعدم انفعاله أصلاً فهو كما مرّ مخالف للأدلّة المتقدمة ، وإن قلنا بانفعاله لا في تمامه بل في حوالي النجاسة الواقعة فيه وأطرافها ، فيقع الكلام في تحديد ذلك وأنّه يتنجس بأي مقدار ، مثلاً إذا وقعت قطرة
__________________
(*) المناط في عدم التنجس أن يكون الجريان عن دفع وقوة من دون فرق بين العالي وغيره.
(١) الوسائل ١ : ٢٠٦ / أبواب الماء المضاف ب ٥ ح ٣.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٠ / أبواب النجاسات ب ٣٨ ح ٨.
(٣) المراد بها هو الذي يصنع منه الزبد المعبر عنه في الفارسية بـ « دوغ » لا الحليب فلا تستبعد.