ومنشأ الخلاف في ذلك هو اختلاف الأخبار ، حيث ورد في جملة منها وفيها صحاح وموثقات الأمر بغسل أبوال الخيل والحمار والبغل (١) وقد قدمنا في محله أن الأمر بالغسل إرشاد إلى النجاسة حسبما يقتضيه الفهم العرفي ، وورد في صحيحة الحلبي التفصيل بين أبوالها ومدفوعاتها ، حيث نفت البأس عن روث الحمير وأمرت بغسل أبوالها (٢) وهي صريحة في عدم الملازمة بين نجاسة أبوال الحيوانات المذكورة ونجاسة مدفوعاتها كما توهمها بعضهم ، وقد تقدم أن الحكم بنجاسة المدفوع لم يقم عليه دليل غير عدم القول بالفصل بينه وبين البول ، والقول بالفصل موجود في المقام وعليه فلا نزاع في طهارة أرواثها ، وينحصر الكلام بأبوالها ، وقد عرفت أن مقتضى الأخبار المتقدمة نجاستها.
وفي قبال تلك الأخبار روايتان (٣) تدلاّن على طهارتها إلاّ أنهما ضعيفتان فان صحّ اعتماد المشهور فيما ذهبوا إليه على هاتين الروايتين ، وتمت كبرى أن اعتماد المشهور على رواية ضعيفة يخرجها من الضعف إلى القوة وينجبر به ضعفها فلا مناص من الحكم بطهارة أبوال الحيوانات المذكورة ، ولا يعارضهما ما دلّ على نجاسة أبوالها كما توهّمه
__________________
(١) كموثقة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن رجل يمسّه بعض أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال : يغسل بول الحمار والفرس والبغل ، فأما الشاة وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ». وصحيحة الحلبي قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن أبوال الخيل والبغال ، قال : اغسل ما أصابك منه ». المرويتين في الوسائل ٣ : ٤٠٩ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ٩ ، ١١. وموثقة سماعة قال : « سألته عن بول السنور والكلب والحمار والفرس؟ قال : كأبوال الإنسان ». المروية في الوسائل ٣ : ٤٠٦ / أبواب النجاسات ب ٨ ح ٧.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٠٦ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ١.
(٣) إحداهما : رواية أبي الأغر النحاس قال : « قلت لأبي عبد الله عليهالسلام إني أعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فيضرب أحدها برجله أو يده فينضح على ثيابي فأصبح فأرى أثره فيه؟ فقال : ليس عليك شيء » وثانيتهما : رواية معلى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور قالا : « كنّا في جنازة وقدامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله عليهالسلام فأخبرناه ، فقال : ليس عليكم بأس » المرويتان في الوسائل ٣ : ٤٠٧ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢ ، ١٤.