مورد هذه الأدلّة قد فرض حيوان وله لحم محرم أكله فحكم بنجاسة بوله ، وهذا كما ترى يختص بما له لحم ، وعليه فهذه الأدلة قاصرة الشمول لما لا لحم له من الابتداء حيث لا لحم له ليحرم أكله ، فأبوال ما لا نفس له إذا كان من هذا القبيل مما لا دليل على نجاسته.
إلاّ أن هذا إنما يتم فيما إذا قلنا بانصراف ما دلّ على نجاسة مطلق البول إلى بول الآدمي كصحيحتي محمد بن مسلم المتقدِّمتين (١) وغيرهما ولا أقل من انصرافه عن بول الحيوانات التي لا لحم لها. وأمّا إذا لم يتم الانصراف فمقتضى تلك المطلقات نجاسة البول مطلقاً حتى مما لا لحم له فيما إذا كان محرم الأكل.
نعم ، يمكن أن يستدل على طهارة أبوال ما لا نفس له مطلقاً كان له لحم أم لم يكن بموثقة حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهالسلام قال : « لا يفسد الماء إلاّ ما كانت له نفس سائلة » (٢) فقد دلت بإطلاقها على عدم تنجس الماء ببول ما لا نفس له ولا بدمه ولا بميتته ولا بغيرها مما يوجب نجاسة الماء إذا كانت له نفس سائلة ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون له لحم أم لم يكن.
وأصحابنا ( قدس الله أسرارهم ) وإن ذكروا هذه الرواية في باب عدم نجاسة الميتة مما لا نفس له إلاّ أنه لا يوجب اختصاصها بها ، فإنّها مطلقة ومقتضى إطلاقها عدم
__________________
(١) في ص ٣٧٤ ، ٣٧٦.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٦٤ / أبواب النجاسات ب ٣٥ ح ٢. ثم إن في سند الرواية أحمد بن محمد عن أبيه والظاهر أنه أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد وهو وإن كان من مشايخ الشيخ المفيد قدسسره إلاّ أنه لم تثبت وثاقته بدليل ، وكونه شيخ إجازة لا دلالة له على وثاقته فالوجه في كون الرواية موثقة أن في سندها محمد بن أحمد بن يحيى وللشيخ إليه طرق متعددة ، وهي وإن لم تكن صحيحة بأسرها إلاّ أن في صحة بعضها غنى وكفاية ، وذلك لأن الرواية إما أن تكون من كتاب الراوي أو من نفسه ، وعلى كلا التقديرين يحكم بصحة رواية الشيخ عن محمّد بن أحمد لتصريحه في الفهرست [ ١٤٤ / ٦١٢ ] بأن له إلى جميع كتب محمد بن أحمد ورواياته طرقاً متعددة وقد عرفت صحة بعضها ، وإذا صحّ السند إلى محمد بن أحمد بن يحيى صحّ بأسره لوثاقة الرواة الواقعة بينه وبين الإمام عليهالسلام وبهذا الطريق الذي أبديناه أخيراً يمكنك تصحيح جملة من الروايات كذا أفاده ( دام ظله ).