وفي قبالها جملة من الأخبار تقتضي طهارة المني :
منها : صحيحة زرارة قال : « سألته عن الرجل يجنب في ثوبه أيتجفف فيه من غسله؟ فقال : نعم لا بأس به إلاّ أن تكون النطفة فيه رطبة ، فإن كانت جافة فلا بأس » (١).
ومنها : موثقة زيد الشحام قال : « سألت أبا عبد الله عليهالسلام عن الثوب تكون فيه الجنابة فتصيبني السماء حتى يبتل عليّ ، قال : لا بأس » (٢) ومنها غير ذلك من الأخبار التي ظاهرها طهارة المني.
ويمكن تأويلها على نحو لا تنافي الأخبار الدالة على نجاسته ولو على وجه بعيد فتحمل الرواية الأُولى على تجففه بالموضع الطاهر من الثوب ، والثانية على صورة زوال عين المني فيطهر الثوب باصابته المطر.
هذا على أنه يمكن حملهما على التقية ، لذهاب جماعة من العامة إلى طهارة المني إما مطلقاً كما ذهب إليه الشافعي (٣) واستدل عليه بوجهين : أحدهما : ما رواه البيهقي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من أنه قال : « لا بأس بالمني فإنّه من الإنسان بمنزلة البصاق والمخاط » وثانيهما : أن الحيوان من المني ولا إشكال في طهارته فكيف يزيد الفرع على أصله.
وإما في خصوص المني من الإنسان ومن سائر الحيوانات المحلّلة دون ما لا يؤكل لحمه كما التزم به الحنابلة واستدلوا عليها بما رووه عن عائشة « من أنها كانت تفرك المني من ثوب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ثم يذهب فيصلي فيه » (٤) والشافعي وقرينه وإن كانا متأخرين عن عصر الصادق عليهالسلام إلاّ أن مستندهما لعلّه كان شائعاً في ذلك العصر وكان العامل به كثيراً ، وبذلك صحّ حمل أخبار الطهارة على التقية. وكيف كان فهذه الأخبار مضافاً إلى معارضتها مع
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٤٦ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٧.
(٢) الوسائل ٣ : ٤٤٦ / أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ٦.
(٣) و (٤) راجع المجلد الأول من الفقه على المذاهب الأربعة ص ١٣.