فلا دلالة في شيء من الأخبار على نجاسة المني في هذه المسألة ، أمّا الأخبار المتقدمة في المسألة الأُولى فلانصرافها إلى مني الإنسان كما مرّ ، وأمّا صحيحة محمد بن مسلم التي اعتمدنا عليها في المسألة الثانية ، فلاختصاصها بما إذا كان البول نجساً ، لأن معنى الأشدية أن المني يشترك مع البول في نجاسته إلاّ أن هذا أشدّ من ذاك ، وأبوال الحيوانات المحللة طاهرة فلا يكون المني منها نجساً.
وقد يتوهّم : أن الأشدية بلحاظ نجاسة المني منها مع طهارة أبوالها. ويندفع : بأن الأشدية لو كان هو ذلك لوجب أن يقول : نجاسة المني أوسع من نجاسة البول لاختصاصها بما لا يؤكل لحمه بخلاف نجاسة المني ، ولا يناسبه التعبير بالأشدية ، فان معناها كما عرفت هو اشتراك المني مع البول في نجاسته وكون أحدهما أشد من الثاني هذا.
ثم لو قلنا بشمول إطلاق الصحيحة للمقام أعني مني الحيوانات المحللة فتعارضها موثقتان :
إحداهما : موثقة عمار « كل ما أُكل لحمه لا بأس بما يخرج منه » (١) لأن إطلاقها يشمل المني أيضاً.
وثانيتهما : موثقة ابن بكير حيث ورد في ذيلها « فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكل شيء منه جائز » (٢) وعموم كل شيء يشمل المني أيضاً وبعد تساقطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة.
نعم ، قد استشكلنا سابقاً في الموثقة الأخيرة بأنها ناظرة إلى بيان صحة الصلاة في أجزاء ما يؤكل لحمه من ناحية عدم كونها مما لا يؤكل لحمه لا من سائر الجهات ، وإلاّ فعموم كل شيء شامل للدم أيضاً ، مع أن الصلاة فيه باطلة لنجاسته. نعم ، تصح فيه أيضاً من حيث عدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل ، ولكن في الموثقة الاولى غنى وكفاية.
__________________
(١) الوسائل ٣ : ٤٠٩ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.
(٢) الوسائل ٤ : ٣٤٥ / أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١ ، وكذا ٣ : ٤٠٨ / أبواب النجاسات ب ٩ ح ٦.