يستعمل في المبالغة كما في مثل الأكول ، إلاّ أنّه في المقام ليس بهذا المعنى جزماً. وتوضيح ذلك : أن استعمال الطهور بمعنى أشد طهارة وكونه أنظف من غيره وإن كان صحيحاً ، وربّما يستعمل بدله لفظ أطهر فيقال : إن هذا الشيء أطهر لك كما في قوله تعالى ( هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) (١) أي أوقع في الجهات الشهوية من غيرها. وقوله تعالى ( شَراباً طَهُوراً ) (٢) أي أشد نظافة إلاّ أن ذلك كلّه في الأُمور الخارجية التي لها واقع ، كما في الطهارة الخارجية بمعنى النظافة فيقال : هذا الثوب أطهر من ثوبك أي أشدّ نظافة من ثوبك.
وأمّا في الأُمور الاعتبارية التي لا واقع لها إلاّ حكم الشارع واعتباره كما في الطهارة المبحوث عنها في المقام والملكية والزوجية وغيرها من الأحكام الوضعية التي اعتبرها وجعلها في حق المكلفين ، فهي مما لا يعقل اتصافه بالأشدية والأقوائية كما ذكرناه في بحث الأحكام الوضعية ، فلا يصح أن يقال : إن ملكك بالدار أشدّ من ملكك بالكتاب أو إن حكم الشارع بالطهارة في هذا الشيء أشدّ من حكمه بها في الشيء الآخر ، فإنّ الشارع إن حكم فيهما بالطهارة أو بالملكية فهما على حد سواء ، وإلاّ فلا طهارة ولا ملكية في البين أصلاً ، ففي الأُمور الاعتبارية لا معنى للاتصاف بالشدّة والضعف ، بل الأمر فيها يدور دائماً بين الوجود والعدم والنفي والإثبات ، وعليه فلا يعقل استعمال الطهور في الآية بمعنى المبالغة.
وتوهّم أن شدّة الطهارة في الماء باعتبار أنّه لا ينفعل بملاقاة النجس ما لم يتغير.
يدفعه أولاً : أنّ هذا مما يختص ببعض أفراد المياه ولا يعم جميعها ، مع أن الطهور وصف لطبيعي الماء أين ما سرى.
وثانياً : أنّ استعمال لفظ الطهور لو كان بلحاظ عدم الانفعال بملاقاة النجس لصحّ حمله على البواطن ، بل على ظاهر الحيوان أيضاً على قولٍ مع أنّه من الاغلاط.
__________________
(١) هود ١١ : ٧٨.
(٢) الإنسان ٧٦ : ٢١.