وبيان تلك القرينة هو أن الشيء في قوله عليهالسلام لا يفسده شيء لم يرد به مطلق ما يصدق عليه مفهوم الشيء بل المراد به هو الذي من شأنه أن ينجس الماء إلاّ أنّه لا ينجس ماء البئر لأنّه واسع. كما هو الحال في قوله عليهالسلام : « الماء طاهر لا ينجسه شيء » ، وقوله : « إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء » ، لوضوح عدم إرادة الأشياء الأجنبية عن التنجيس من لفظة الشيء فيهما ، ومن البين أن تقرب الماء من الميتة مثلاً ليس مما شأنه التنجيس ، ولم يثبت كونه موجباً للانفعال ما لم تتصل الميتة بالماء لبعدها أو لوجود مانع في البين.
فمن ذلك يظهر أن المراد من قوله عليهالسلام : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء » : أنّه لا تفسده ملاقاة النجاسة إلاّ أن توجب تغيره ، وبذلك تظهر صحّة ما ذهب إليه الأصحاب من أن الموجب للانفعال هو التغيّر الحاصل بالملاقاة لا بالمجاورة ونحوها.
فرع
إذا لاقى الماء جزء من النجس ولم يكن ذلك الجزء موجباً للتغيّر في الماء ، وكان له جزء آخر يوجب التغيّر إلاّ أنّه لم يلاق الماء ، كما إذا لاقى الماء شعر الميتة أو عظمها ولم يلاق لحمها ، والشعر والعظم لا ينتنان بمرور الأيام ولا يحدثان التغيّر في شيء بخلاف اللّحم لتسرع الفساد إليه ، فهل مثل هذه الملاقاة توجب الانفعال؟.
الظاهر أنّه لا ، لأن ما لاقى الماء لا يوجب التغيّر وما يوجب التغيّر لم يلاق الماء وقد اشترطنا في نجاسة الماء أن يستند تغيره إلى ملاقاة النجس الذي يوجب التغيّر لا إلى مقارنة نجس آخر كما هو المستفاد من الأخبار ، ومثل ذلك ما إذا وقع نصف النجس في الماء وكان نصفه الآخر خارجاً عنه والنصف الداخل لم يكن سبباً للتغيّر بل كان سببه المجموع من النصف الداخل في الماء والنصف الخارج عنه ، فإن الظاهر عدم انفعال الماء بذلك ، لأن الملاقي لم يوجب التغيّر وما أوجبه لم يلاق الماء ، ويعتبر في انفعال الماء استناد التغيّر إلى ملاقاة النجس الذي يوجب التغيّر.
فما عن المحقق الهمداني من أن التغيّر سبب للانفعال في هذه الصورة إذ يصدق عرفاً أن يقال : إن الماء لاقى نجساً يوجب التغيّر (١) لا يمكن المساعدة عليه لأن ما يصدق
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الطهارة ) : ١٠ السطر ١٩.