مثلاً ثم ألقيناها في حوض من الماء فإنّها تغيّر الماء بريحها لا محالة.
ولنقدم الكلام في الصورة الثانية ، لأن التغيّر فيها إذا صار موجباً للانفعال فهو يوجب الانفعال في الصورة الأُولى بطريق أولى.
فنقول : إنّه نسب القول بالنجاسة في صورة التغيّر بأوصاف المتنجس إلى الشيخ الطوسي قدسسره واستدلّ عليه بالنبوي المعروف : « خلق الله الماء طهوراً لا ينجسه شيء إلاّ ما غيّر لونه ، أو طعمه ، أو ريحه » (١). فإن قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ ما غيّر يشمل النجس والمتنجس كليهما.
وفيه : أن الحديث نبوي قد ورد بغير طرقنا ، كما صرح به صاحب المدارك (٢) وأمضاه صاحب الحدائق قدسسرهما (٣) فلا يعتد به ، وإنّما نقول بالنجاسة في مفروض الكلام لو قلنا بها من جهة الروايات الواردة من طرقنا ، كما في صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع : « ماء البئر واسع لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، ... » بدعوى أنّ قوله عليهالسلام : « لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر » أيضاً شامل لكل من النجس والمتنجس.
بل الصحيح عدم تمامية هذا الاستدلال أيضاً ، لاختصاص الرواية بالتغيّر بالنجس دون المتنجس ، ويدلُّ عليه استثناؤه عليهالسلام في الصحيحة بقوله : « إلاّ أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه ». فإن هذا الإطلاق والاستعمال : « حتى يذهب الريح ويطيب طعمة » إنّما يصح إذا كان التغيّر الحاصل بالطعم أو الريح تغيّراً بريح كريهة أو طعم خبيث ، إذ مع فرض طيب الطعم أو الريح لا معنى لطيبة ثانياً. وكراهة الريح والطعم تختص بالتغيّر الحاصل بالنجاسات ، وأمّا المتنجسات فربّما يكون ريحها في أعلى مرتبة اللطافة والطيب ، كما في العطور المتنجسة أو طعمها كما في السكر والدبس المتنجسين ، ولا يصح في مثلهما أن يقال : ينزح حتى
__________________
(١) المبسوط ١ : ٥.
(٢) المدارك ١ : ٢٨.
(٣) الحدائق ١ : ٢٩٨.