مجدياً في رفع نجاستها فلا غرض لنا في نزح مائها ، وأي مانع من بقائها على تغيّرها وحيث أمروا عليهمالسلام بنزحها فمنه نستكشف أن الغرض إذهاب رائحة مائها وطعمه حتى يطهر لأجل اتصاله بالمادّة ، وعلى هذا تعم الرواية لكل من الدفع والرفع وتكون مبينة لعلّة ارتفاع النجاسة عنها بعد انفعالها وهي اتصالها بالمادّة المعتصمة التي لا تنفعل بملاقاة النجس.
ويحتمل أن تكون العلّة راجعة إلى أمر رابع ، وهو مجموع الصدر والذيل بالمعنى المتقدم ومعناه : أن ماء البئر واسع لا يفسده شيء وترتفع نجاسته بالنزح ، وكلاهما من أجل اتصاله بالمادّة. وهذه جملة الاحتمالات التي نحتملها في الرواية بدواً ، وبها تتصف بالإجمال لا محالة.
والصحيح منها : ما ذكرناه من أن الرواية تدل على كفاية مجرد الاتصال بالمادّة في طهارة الماء بعد زوال تغيّره بيان ذلك : أن إرجاع التعليل إلى صدر الرواية خلاف الظاهر وإن كان لا بأس به على تقدير اتصاله بالصدر لما ذكرناه في تعقب الاستثناء جملاً متعدّدة ، من أن رجوعه إلى خصوص الجملة الأُولى خلاف الظاهر حيث لا خصوصية للاستثناء في ذلك وحال سائر القيود المتعقبة للجمل هو حال الاستثناء بعينه ، فإذا ورد صم وسافر يوم الخميس ، فرجوع يوم الخميس إلى الجملة المتقدِّمة خاصّة خلاف الظاهر على ما فصّلناه في محلّه (١). كما ان رجوع التعليل إلى ذيل الصحيحة بالمعنى المتقدم حتى يكون تعليلاً لأمر عادي يعرفه كل أحد مستبعد عن منصب الإمام عليهالسلام جدّاً ، فإن ما هذا شأنه غير جدير بالتعليل ، حيث إنّ وظيفة الإمام عليهالسلام إنّما هي بيان الأحكام ، وأمّا بيان علاج المتغيّر وإزالة خاصيتها فهو غير مناسب لمقام الإمامة ، ولا تناسبه وظيفته.
فيدور الأمر بين احتمال رجوعها إلى الذيل بالمعنى الثاني الشامل لكل من الدّفع والرّفع ، واحتمال رجوعها إلى مجموع الصدر والذيل ، وعلى كل تدل الرواية على كفاية الاتصال بالمادّة في طهارة المتغيّر بعد زوال تغيّره ، وذلك لأن الإمام ( عليهالسلام )
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٣٠٤.