وأمّا الأمر الثاني : فلأنّا لو سلّمنا أن كلمة « حتى » تعليلية فلا يمكننا التعدِّي عمّا له مادّة وهو البئر إلى غيره مما لا مادّة له ، فإن التعليل ربّما يكون بأمر عام كما ورد (١) في الخمر من أنّ الله لم يحرّم الخمر لاسمه بل لخاصيته التي هي الإسكار ، وفي مثله لا مانع من التعدِّي إلى كل مورد وجد فيه ذلك الأمر لأنّه العلّة للحكم فيدور مداره لا محالة. وأُخرى يكون التعليل بأمر خاص فلا مجال للتعدي في مثله أصلاً كما هو الحال في المقام فإنّه عليهالسلام علل حكمه هذا بذهاب الريح وطيب طعمه ، والمراد بالريح هو ريح ماء البئر خاصة لقوله قبل ذلك : « إلاّ أن يتغيّر ريحه .... » فإن الضمير فيه كالضمير في قوله : ويطيب طعمه يرجعان إلى ماء البئر لا إلى مطلق الماء ، ومع اختصاص التعليل لا وجه للتعدي عن مورده ، بل مقتضى إطلاق قوله عليهالسلام « لا يفسده شيء إلاّ أن يتغيّر ... » أن تغيّر ريح الماء أو طعمه يوجب التنجيس مطلقاً سواء أزال عنه بعد ذلك أم لم يزل ، نظير إطلاق ما دلّ على نجاسة ملاقي النجس ، فإنّه يقتضي نجاسة الملاقي مطلقاً سواء أشرق عليه الشمس مثلاً أم لم تشرق وسواء أكانت الملاقاة باقية أم لم تكن ، وكذا إطلاق ما دلّ على عدم جواز التوضؤ بما تغيّر ريحه أو طعمه (٢) ، فإنّه بإطلاقه يشمل ما إذا زال عنه التغير أيضاً ومن هنا لا نحكم بجواز التوضؤ من مثله.
وعلى الجملة لا يمكن التعدي من الصحيحة إلى غير موردها لاختصاص تعليلها ولا أقل من احتمال التساوي والإجمال ، فلا يبقى حينئذٍ في البين ما يقتضي طهارة المتغيّر بعد زوال تغيّره بنفسه ، حتى يعارض التمسك بالاطلاقين المقتضيين لنجاسته فالترجيح إذن مع الأدلّة الدالّة على نجاسته.
__________________
(١) في صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن الماضي قال : « إن الله عزّ وجلّ لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها » وفي رواية أُخرى : « حرمها لفعلها وفسادها » ، الوسائل ٢٥ : ٣٤٢ / أبواب الأشربة المحرمة ب ١٩ ح ١ ، ٣.
(٢) كما في صحيحة حريز ، وروايتي أبي بصير ، وأبي خالد القماط وغيرها من الأخبار المروية في الوسائل ١ : ١٣٧ / أبواب الماء المطلق ب ٣ ح ١ ، ٣ ، ٤.