فالتّفكّر في الحقيقة من الأسباب والمقدّمات الموصلة إلى عرفان نظريّ هو أشرف المعارف ، وهو عرفان الرّب تعالى بصفاته وأفعاله ، وإلى حالة نفسانيّة هي أفضل الحالات ، وهي الانقطاع إليه تعالى عن غيره ، والمداومة على هذا العمل والممارسة عليه تورث ملكة التّفكّر والاتّعاظ ودوام التّوجّه إلى الله تعالى ، وانقطاع النفس عن كلّ ما يقطعها عن الربّ. وقد ورد الحثّ الأكيد على ذلك في الكتاب الكريم ، والأمر والترغيب في النصوص بمقدار وافٍ كثير.
فقال في الكتاب العزيز : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) (١) وقال في أولي الألباب : ( يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَـٰذَا بَاطِلًا ) (٢) وقال : ( أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ ) (٣).
وقال : ( انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) (٤). وقال في عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ) (٥).
وقال : ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى ) (٦). وقال : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ). (٧) وقال : ( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ). (٨)
____________________________
١) البقرة : ٢١٩.
٢) آل عمران : ١٩١.
٣) الأعراف : ١٨٥.
٤) يونس : ١٠١.
٥) الفرقان : ٧٣.
٦) الرّوم : ٨.
٧) فصّلت : ٥٣.
٨) الجاثية : ٣ ـ ٤.