الثاني : فقد لوازم العيش والحياة بالنسبة إلى من يحتاج إليها ، وهو المراد في أغلب مأثورات الباب ، وهذا أمر عدميّ.
الثالث : فقر النفس بمعنى : حرصها وشرهها إلى الدنيا ومتاعها ، ويقابله غنى النفس.
الرابع : الفقر إلى الله بمعنى : حالة اعتماد النفس إليه تعالى وانقطاعها عن غيره وعدم عنايتها إلى الأسباب الظاهريّة. ثمّ إنّه لا كلام هنا في المعنى الأول ، والعلم والاذعان به من شؤون الإيمان ، ولا في المعنى الثالث ، فإنّه من رذائل الصفات ، وقد وقعت الاشارة في النصوص أحياناً إلى المعنى الرابع ، فعمدة الكلام في المقام هو المعنى الثاني ، وعليه فقد يستظهر من أدلّة الباب أنّ الفقر بنفسه أمر ممدوح مطلوب ذو فضل ورجحان ، مندوب إليه في الشرع. وأنّ الغنى مذموم مبغوض منهيّ عنه لكنّ الظاهر أنّ الفقر الممدوح مشروط :
أوّلاً : بعدم كون حصوله من ناحية قصور المكلّف وتقصيره في الحركة والسعي إلى تحصيل رزقه كما أمره الله تعالى ، وإلّا فلا حسن في ذلك ، ولا يكون مشمولاً لما دلّ على فضله.
وثانياً : بتقارنه بالرّضا والتسليم ، وعدم ظهور الجزع منه والشّكوى إلى الناس.
وثالثاً : بعدم وقوع صاحبه في المعصية من جهته ، وهو ممدوح ـ حينئذٍ ـ لرضا الفقير باطناً بقضاء الله تعالى وتسليمه قلباً لأمره ، مع وقوعه في ضيق العيش وضنك الحياة ، مع أنّ أغلب أهل هذا الفقر ، يصرفون أعمارهم في سبيل دينهم وطاعة ربّهم ، وسائر الأمور النافعة لمعاش أنفسهم وإخوانهم ولمعادهم عوضاً عن الأوقات التي يصرفها الأغنياء في دنياهم.