والإستلذاذ بتكثيره وتكنيزه ، وقد لا يكون الغرض إلّا إمرار معاشه ، وإدارة أمور مجتمعه ، وعمارة البلاد ، وإصلاح العباد. وورد من النصوص في هذا المقام ( مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ). (١)
ثمّ إنّه يظهر لك من ذلك أنّ جميع الرئاسات والولايات والسّلطات الموجودة في هذه الأعصار ، بل من بدء وقوع الانحراف في المناصب الالٰهية وخروجها عن أيدي أهلها ومن أهّله الله لتصدّيها في الاجتماعات البشرّية ، باطلة غير ممضاةٍ من الشرع. وأنّ جلّ المفاسد الواقعة بين الناس ـ لولا كلّها ـ من الكفر والشرك والفحشاء والمنكر وضياع الحقوق وهتك الأعراض وتلف الأموال والنفوس مستندة إلى ذاك الانحراف وتلك الولايات الخارجة عن سلطة صاحبها. وأنّ الرؤساء والمتصدّين للولايات والحكومات في المجتمعات البشريّة اليوم ، موقوفون غداً عند ربّهم ، مسؤولون بأسوء الحساب ومُعاقبون بأعظم العقاب. كيف وقد قال تعالىٰ : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ) ! (٢) هؤلاء الأنبياء فكيف بغيرهم ؟ ونعوذ بالله تعالىٰ من شرّ النفس ، ونقول : ( رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ) (٣).
ولو ادّعي أنّ بعض تلك المناصب مجعول من ناحية الناس أنفسهم فلهم أن يختاروا في أمور دنياهم وليّاً ورئيساً وسائساً ومدبّراً ، له تسلّط محدود ، فلا يكون باطلاً ولا مشمولاً للذموم المستفادة من الأدلّة ، فهي على فرض قبول كبراها مخدوشة في صغراها ، فراجع أحوال الممالك والأمم ، وليس استقصاء ذلك ممّا يقتضيه أبحاث الكتاب. قال الله تعالىٰ : ( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ
____________________________
١) القمر : ٤ ـ ٥.
٢) الأعراف : ٦.
٣) المؤمنون : ٩٧ ـ ٩٨.