الإذعان به من المبدء تعالىٰ وصفاته وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجميع آياته وما أنزله على أنبيائه من شرائعه ، وهو بهذا المعنى أشرف صفات النفس وأعلاها وأفضلها وأسماها ، وهو الذي عبّر عنه بالاطمئنان في قصّة إبراهيم الخليل. فإنّه لمّا استدعىٰ من ربّه أن يريه إحياء الموتىٰ قال تعالىٰ ( أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (١). فأقرّ أوّلاً بالايمان الذي هو : التصديق والعلم ، ثّم سأل ما يزداد به الإيمان حتّىٰ يكون يقيناً ، وببيانٍ آخر أنّه سأل أن يرتقي بمشاهدة العيان من علم اليقين إلى عين اليقين ، وقد ذكر تعالىٰ في الآية الثانية : أنّ الآيات الآفاقيّة والأنفسيّة لا تنفع كما ينبغي ولا تكشف عن وجه الحقيقة كما يليق إلّا لمن تزيّن بهذه الفضيلة النفسيّة والكرامة الالٰهيّة. وذكر في الآية الثالثة : أنّ الملاك في اختيار الصفوة من الناس للإمامة وهداية المجتمع الانسانيّ هو : الصبر واليقين ، وهما وصفان فاضلان لكلٍّ منهما تأثير متقابل في الآخر ، فالصبر في إقامة أحكام الدين وحدوده يزيد في اليقين ، واليقين يزيد في الصبر.
وفي النصوص الواردة عن أهل البيت في المقام ما يغني عن كلّ شيءٍ. فقد ورد أنّ اليقين أفضل من الإيمان (٢) ، فإنّ الإيمان فوق الإسلام ، والتقوىٰ فوق الإيمان واليقين فوق التقوىٰ ، فما من شيءٍ أعزّ من اليقين (٣) ؛ وذلك لأنّ الإقرار بالشهادتين إسلام ، والإذعان بالقلب بعده إيمان ، والعمل بالإذعان تقوىٰ ، وكمال الإيمان بالعمل يقين.
وأنّ الصادق عليهالسلام قال ـ لمن لم يحصل له اليقين ـ : إنّما تمسّكتم بأدنى الإسلام ،
____________________________
١) البقرة : ٢٦٠.
٢) المحجة البيضاء : ج ١ ، ص ٢٨٠ ـ بحار الأنوار : ج ٧٠ ، ص ١٨١ ـ مستدرك الوسائل : ج ١١ ، ص ١٩٧.
٣) نفس المصدر السابق.