مع أنّه في نفسه غير معقول أيضا ، فإنّ وصف الإيصال ليس كسائر الأوصاف الصالحة لاعتبارها في موضوع الحكم كما هو الحال في الرقبة المؤمنة ، ضرورة أنّه وصف منتزع عن تعقّب ذي المقدّمة ووجوده بعد تلك المقدّمة ، فلو اعتبر في موضوع الوجوب المقدّمي لكان مستلزما لتعلّق الأمر المقدّمي الغيري بنفس الواجب النفسيّ أيضا ، مع كون ذلك الوجوب الغيري ناشئا من الأمر النفسيّ المتعلّق بذلك الواجب ، فيكون الواجب النفسيّ واجبا من باب المقدّمة لنفسه أيضا ، وهو غير معقول.
بيان الملازمة : أنّ الأمر بالمقيّد أمر بكلّ واحد من جزأيه ، حيث إنّه مركّب منهما ، ولا يحصل إلاّ بهما ، فيجب تحصيل القيد أيضا من باب المقدّمة ، كوجوب تحصيل ذات المقيّد كذلك ، وذلك القيد إذا كان من الأمور المتأصّلة فلا إشكال ، وإن كان من الأمور المنتزعة فيرجع وجوب إيجاده إلى وجوب إيجاد منشأ الانتزاع في الحقيقة ، إذ لا حقيقة للأمر الانتزاعي حتّى يكون الواجب هو في الحقيقة ، فإذا بنينا على اعتبار وصف الإيصال في موضوع الوجوب المقدّمي مع أنه وصف منتزع من وجود ذي المقدّمة الّذي هو الواجب النفسيّ ، فيرجع الأمر بالأخرة إلى وجوب ذلك الواجب النفسيّ بالوجوب الغيري من باب المقدّمة لنفسه.
هذا مضافا إلى أنّ الأمر المقدّمي لا يتعلّق بالأجزاء العقلية ، بل إنّما هو متعلّق بالأجزاء الخارجيّة ، وذلك لأنّ المقدّمة حقيقة إنّما هي الأشخاص ، لأنّها مما يتوقّف عليه وجود الواجب لا المفاهيم الكلية ، إذ لا توقّف له عليها أصلا ، إذ
__________________
من الأفراد ، لكن لمّا أراد المستدلّ إراءته لنا وتعيينه ، ولا شبهة أنّ تعيين الشيء إما بالإشارة الحسّية إليه ، وإمّا بالتعبير عنه بوصف خاصّ به مساو له ، والأوّل غير ممكن هنا ، فعيّنه بالثاني وعرّفه به ، فإنّه لا وصف له خاصّ به إلاّ وصف الإيصال وتعقّب ذي المقدّمة معه. لمحرّره عفا الله عنه.