لترك الواجب (١).
والحاصل : أنّ تجويز ترك الواجب له عبارتان : إحداهما أن نقول صريحا : يجوز لك ترك الواجب ، وأخراهما : أن نقول : يجوز تلك ترك ما يؤدّي تركه إلى تركه من حيث كونه مؤدّيا إليه ، فإذا لم يكن معنى عدم إيجاب المقدّمة الإذن في تركها من حيث أداء تركه إلى ترك الواجب ولا مستلزما له ، بل غاية ما يلزم منه على القول المذكور ثبوت الإذن في تركها في نفسها مع قطع النّظر عن هذه الحيثية ، فلم يكن الامتناع باختيار الآمر ، بل باختيار المأمور ، إذ الآمر قد أراد منه الواجب حال تمكّنه من الإتيان به ، مع عدم منعه عن مقدّمته ، فهو متمكّن من امتثاله فتركه المقدّمة حينئذ إقدام على مخالفة التكليف بالواجب لكونه علّة لتركه ومعصية حكمية له ، فيستحقّ العقاب حينئذ كصورة وجوب المقدّمة.
وبالجملة : الامتناع في الصورتين مستند إلى سوء اختيار المكلّف.
ومن هنا ظهر ما في كلام بعض المحقّقين من المتأخّرين (٢) ، حيث إنّه زعم : أنّ عدم جواز ترك المقدّمة ـ من حيث أداؤه إلى ترك ذيها ـ هو معنى وجوبها الغيري.
وتوضيح ضعفه : أنك قد عرفت أنّ تجويزه على هذا الوجه عبارة أخرى عن تجويز ترك نفس الواجب ، فيكون معنى المنع عنه هو وجوب نفس الواجب لا وجوب مقدمته ، فالالتزام بعدم جواز ترك المقدّمة من حيث كونه مؤدّيا إلى ترك
__________________
(١) فإنّ الحكم إذا ثبت لشيء بحيثية مأخوذة من شيء آخر ، يكون موضوعه حقيقة هو ذلك الشيء الآخر.
وإن شئت قلت : إذا ثبت حكم لشيء متقيّدا بحيثية فالموضوع تلك الحيثية ، فإذا فرض كونها منتزعة من شيء آخر فالموضوع حقيقة هو ذلك الشيء الآخر. لمحرّره عفا الله عنه.
(٢) وهو الشيخ محمّد تقي ـ قده ـ على ما في هامش المخطوطة ، وذلك في هداية المسترشدين : ٢٠٥ ٢٠٦.