وإن أراد من تقدير عدمها تفويت المكلّف إيّاها بحيث لا يتمكّن منه بعده ، فنقول : نحن نسلّم ارتفاع الطلب به حينئذ مع ثبوت استحقاق العقاب لتركه الواجب وعصيانه الحكمي ـ كما مرّ ـ فارتفاع الطلب حينئذ لم يوجب خروج الواجب المطلق عن كونه واجبا مطلقا لثبوت أثره ، وهو استحقاق العقاب.
وبالجملة : الطلب المتعلق بشيء إنّما يكون على تقدير التمكّن من مقدّماته ، لا على تقدير وجودها ، والمفروض حصول التمكّن للمكلّف ، فتفويته مقدّماته بعد تمكّنه عصيان لذلك التكليف ، لا موجب لخروجه عن الوجوب المطلق.
وبذلك يندفع الإشكال عن الإخبار عن الأمور المستقبلة أيضا ، فإنّ اشتراء اللحم ـ مثلا ـ إنّما هو على تقدير التمكّن من مقدّماته ، فإذا لم يشتر اللحم في الغد مع تمكّنه منه فصحّة تكذيبه إنّما هو لذلك ، لا نقول : إنّ القائل يقصد هذا التقيّد ، بل مرادنا أنّ هذا التقييد إنما يثبت من قبل العقل ولو لم يلتفت القائل إليه ، فهذا الاعتبار لكون (١) قوله : ( أشتري اللحم غدا ) في قوّة قوله : ( أشتريه غدا مع تمكّني من مقدّماته ) ، فإذا جاء الغد ولم يشتره مع تمكّنه منه فقد كذب ، فيصحّ تكذيبه لذلك حينئذ ، فتدبّر.
وأجاب ـ دام ظلّه ـ عن الدليل المذكور بنحو آخر أيضا ، وتقريره :
أنّ إطلاق شيء بالنسبة إلى تقديرين أو تقييده بأحدهما ، إنّما يصحّ فيما إذا كان كلّ من التقديرين من أحوال ذلك الشيء بحيث يمكن حصوله على أي منهما ، بأن يكون هو قد يحصل بهذا ، وقد يحصل بذاك كما في الرقبة ـ مثلا ـ بالنسبة إلى تقديري الإيمان والكفر ، فإنّها يمكن حصولها مع كلّ منهما ، فيصح
__________________
(١) في الأصل : « يكون » أو « بكون ».