يكن التعليم حينئذٍ عاماً ليشمل جميع شرائح المجتمع بل كان مقتصراً على أبناء الاقطاعيين ومن كانت له صلة بزعماء العشائر الذين انحسر عددهم وتقلص ظلهم بعد ان استبدلوا حياة القرية بالمدينة فأنستهم مغريات المدينة ومباهجها ، الاخلاق الكريمة والوشائج الاجتماعية القويمة التي كانوا عليها في القرية.
هذا ما كان عليه التعليم بشكل عام ، امّا التعليم الديني الذي انضمّ اليه الشاعر فكان ينوء تحت وطأة الانسياب والفوضى وانعدام النظم والمنهجية. وفي هذا الخصوص يشير علي الخاقاني الى موقف الفرطوسي من هذا الوضع قائلاً : « ولإرهاف حسه وقوة العقيدة الدينية فيه أصبح متألماً من الوضع الديني الحاضر وارتباك سير الدراسة والفوضوية الشاملة لها وتسيب الطلاب وعدم وجود زعيم ديني مسؤول عن معرفة الصحيح منهم لانعاشه والسقيم لاقصائه ، وشعر بقيده الاجتماعي فراح يناشد حرية الفكر المضاعة وأسلمه الزمان الى مصاحبة مجموعة من الاقطاعيين في لواء العمارة جرياً على عادة آبائه الذين كان لهم الأمر والنهي في تلك الربوع فأصبح وهو يشاهد الاستهتار والتبذل والاسراف والبذخ وامتصاص دماء الضعفاء واستغلال أقوات الفقراء من أبناء الريف ، وبهذا الحس أصبح لا يقوى على الجهر برأيه خوفاً من مغبة المصير الذي قد يصدمه به المتنفذون من زعماء الاقطاع هناك ، كما لا يقوى على السكوت وفي قلبه شعل ، وفي ضميره حياة (١) ».
ومن هذا المنطلق راح الفرطوسي وبلسانه الشاعري الفياض يهيب بمبرّات الخيّرين من أبناء جلدته ويستنهض هممهم العالية من أجل رفع مستوى الحياة في المجتمع ومعالجة مشاكله وقضاياه من خلال تأسيس المرافق الاجتماعية
__________________
١ ـ شعراء الغري ، ج ٦ ، ص ٦.