ومن هذا العرض الشامل سندرك أيضاً عمق الدلالة وقوّة الحجة في موقف ابن عباس رضياللهعنه مع قريش الشام النواصب كما قلت آنفاً ، وابن عباس هو ذو النفس الكبيرة ، والمقام الإجتماعي المرموق ، وما أوتي من علم وفهم وسعة إدراك ووعي لخطر السياسة الحاكمة ، لم يكن بوسعه أن يأتي بغير ما أتى ، ولا يسعه السكوت على ما تقترفه زبانية معاوية من أساليب الإغراء والترهيب والتحدي لطمس معالم الحق والحقيقة.
ومن منطلق شعوره بالمسؤولية الشرعية ، فلابد له من الوقوف بشجاعة الإيمان وليقال عنها إنّها حميةٌ النسب لابن عمه ، فلا غضاضة ، فهو ابن عم محمّد ، كما هو ابن عمه وهو إمامه ومعلّمه ، وكان له تلميذاً باراً ، وواليا أميناً ، ومستشاراً ناصحاً ، فمن الوفاء أن يقف كذلك بل هو الواجب عليه ، وإلاّ يفعل فهو العقوق ، وهذا على حدّ الكفر بقيم الإسلام التي كاد التيار الأموي الزاحف إلى المسجد الحرام أن يعلنها كلمة الكفر التي قالها من قبل أبو سفيان في مجلس عثمان .. ( فو الذي يحلف به أبو سفيان لا جنّة ولا نار ).
والآن وقبل عرض الموقف بتفاصيله ، لنبحث عن سرّ مجيئ الزمرة الباغية إلى المسجد الحرام والجلوس في صُفّة زمزم وإعلانهم السبّ حتى سمعه ابن عباس رضياللهعنه؟ وهذا مرتبط بإستذكار بعض ما مرّ من أسباب بُغض قريش للإمام عليهالسلام.
أمّا لماذا كانت قريش النواصب تبغض الإمام عليهالسلام وتعلن سبّه على المنابر؟ فهو ناشئ عن الحقد الموروث عندهم على بني هاشم جميعاً ، لأنّ محمّداً صلىاللهعليهوآلهوسلم منها ، وقد مرّت كلمات بعضهم في هذا.