وهذا الكتاب كما تضمن إعلام ابن عباس بفتح مصر وقتل محمّد بن أبي بكر ، كذلك تضمّن إعلامه بحال الناس معه في عدم إستجابتهم حين يدعوهم لما يحييهم ، فهو يبثّ ابن عمه شكواه منهم ، ومن تمنّيه مفارقتهم يُعلم مبلغ حزنه عليهالسلام ، ولا ريب أنّ ابن عباس أحزنه جميع ذلك ، فبادر بالجواب معزّياً ومواسياً ، ومخفّفاً بعض ما يجده الإمام من الناس بمداراتهم فكتب إليه :
( بسم الله الرحمن الرحيم ، لعبد الله عليّ بن أبي طالب أمير المؤمنين من عبد الله بن عباس ، سلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، أمّا بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه إفتتاح مصر ، وهلاك محمّد بن أبي بكر ، فالله المستعان على كلّ حال ، ورحم الله محمّد بن أبي بكر ، وآجرك يا أمير المؤمنين ، وقد سألت الله أن يجعل لك من رعيّتك التي ابتليت بها فرجاً ومخرجاً ، وأن يُعزّك بالملائكة عاجلاً بالنصرة ، فإنّ الله صانع لك ذلك ، ومعزّك ومجيب دعوتك ، وكابت عدوك ، أخبرك يا أمير المؤمنين أنّ الناس ربّما تثاقلوا ثمّ ينشطون ، فارفق بهم يا أمير المؤمنين ، وداجنهم ومنّهم ، واستعن بالله عليهم ، كفاك الله المهمّ والسلام ) (١).
ويبدو أنّ حزن الإمام عليهالسلام على مقتل محمّد قد ألقى بظلاله الحزينة على ابن عباس من خلال كتابه إليه وجوابه هو الآخر عليه ، وشقّ على ابن عباس ذلك التشرذم الذي عرا المجتمع بالكوفة ، فرأى أنّ جوابه على كتاب الإمام عليهالسلام وحده لن يخفف من غلواء حزنه ، فصمّم على التوجّه إلى الكوفة بنفسه ليسلّي الإمام عليهالسلام عن تلك الفوادح التي تضافرت عليه فانتابته غرضاً ، وأورثته حزناً كاد معه أن يكون حَرَضاً.
____________
١ ـ أنظر تاريخ الطبري ٥ / ١٠٩ ط دار المعارف.