إيمانهم دغلاً ، يخبرونه بما يحدث في البلاد من حركات مريبة ، وكان رحمهالله وهو في حزمه وعزمه لم تزل تساوره الشكوك في استقامة الأمور ما دام العدو اللدود يتربّص الدوائر ويتحيّن الفرص وقد وافته ، وزاد في قلق ابن عباس ما بلغه من إختراق معاوية لمجتمع المصرَين ـ الكوفة والبصرة ـ فأرسل إليهما جاسوسين ، رجلاً من حمير إلى الكوفة ، ورجلاً من بني القين إلى البصرة ، يكتبان له بالأخبار ، ويفسدان الرجال ، فدُلّ الإمام الحسن عليهالسلام على الحميري عند لحام بن جرير ، فأخذه وقتله ، ودُلّ ابن عباس على القيني وكان نازلاً في بني سليم بالبصرة فأخذه وقتله ، وكتب إلى معاوية :
( أمّا بعد ، فإنّك ودسّك أخا بني قين إلى البصرة تلتمس من غفلات قريش مثل الذي ظفرت به من يمانيّتك لكما قال أمية بن الأسكر (١) :
لعمرك إنـّي والخزاعيّ طارقاً |
|
كنعجة عاد حتفها تتحفّر |
أثارت عليها شـفرة بكراعها |
|
فظلّت بها من آخر الليل تنحر |
شمتّ بـقوم من صديقك أهلكوا |
|
أصابهم يوم من الدهر أصفر |
فأجابه معاوية : أمّا بعد ، فإنّ الحسن بن عليّ قد كتب إليَّ بنحو ممّا كتبت به ، وأنبأني بما لم أجز ظناً وسوء رأي ، وإنّك لم تصب مثلكم ومثلي ، ولكن مثلنا ما قاله طارق الخزاعي يجيب أمية عن هذا الشعر :
____________
١ ـ الأغاني ١٨ / ١٦٢ ط دار الكتب ، مقاتل الطالبين / ٥٣ – ٥٤ ط مصر ، شرح النهج لابن أبي الحديد ٤ / ١٢ ط مصر الأولى و ١٦ / ٣٢ ط محققة.